” الحوكمة الإلكترونية..مليارات الدنانير فرص مهدورة وكلف إقتصادية لعدم شموليتها..حوار مع خبيرة الحوكمة الإلكترونية عايدة فرج…”4″

ديرتنا (خاص) عمان – فرح القاسم ابورمان
نلتقي اليوم وضمن سلسلة تحقيقاتنا الصحفية مع خبيرة الحوكمة الإلكترونية والذكاء الإصطناعي ، الأستاذة عايدة فرج العوايشة، والتي تحمل الماجستير في هذا التخصص إضافة لعدة دورات عالمية نوعية وخبرات عملية مختلفة، وسنلقي الضوء خلال الحوار الصحفي على أهمية الحوكمة الإلكترونية في المملكة وجودتها وشموليتها، إضافة لإستعدادنا على المستوى الوطني للإلحاق بركب الثورة الصناعية الرابعة “الثورة الرقمية”، ومواكبة التسارع العالمي غير المتوقف في ثورات متتالية بالفضاء الرقمي لكي نجاري قطاعات عالمية حيوية من تجارة وسياحة ومال وأعمال وغيرها الكثير.
ما تعريفك أستاذة عايدة للحوكمة الإلكترونية وما هي أهميتها؟
تقول الأستاذة العوايشة بأن الحوكمة الإلكترونية تجعلنا نواكب العصر والعولمة والربط العمودي والافقي المحوسب؛ لتسهيل المعاملات والأرشفة والحوسبة والعمليات وتدفق المعلومات، وهي مطلوبة اليوم بشكل ملح وتشكل أساس النجاح لتحقيق قطاع عام وخاص رشيقة نشيطة؛ تشكل بيئات داعمة للديمقراطية والتطور الحزبي البرامجي المنشود والتحديث الإقتصادي الوطني، كما وتعزز مكانة وإنتاجية قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والأعمال والتجارة والإبتكار والريادة، وتمكن الإقتصاد الأخضر الجاذب للتمويل الأخضر في بلد بات يعاني آثار التغير المناخي.
وأضافت العوايشة (والتي شاركتنا مضمون مقال سابق لها في هذا السياق)، بأن جلالة الملك وولي عهده يراهنان على الشباب والمنتج العقلي الإبتكاري، وأن الحوكمة الإليكترونية تعطي مساحة واسعة لتحقيق الإبداعات الشبابية في هذا المجال، وتعتبر قاعدة الحوكمة الإليكترونية أساسا لدخول عصر الثورة الصناعية الرابعة (الثورة الرقمية)، كما وتعتبر أساسا لمواكبة علوم المستقبل كالنانو تكنولوجي والطباعة الثلاثية والذكاء الإصطناعي والروبوت وتطوير الصناعة وقطاعات الإنتاج بأشكالها، لأن العصر الحالي بات يعتمد بشكل كبير على السرعة وتوفر المعلومة وأن معظم المنتج الفكري للأيام القادمة لن يكون وليد بيئات تشهد ترهل إداري وتباطؤ بالإنجاز، ومؤسسات تقوم على موظف إن غاب عن عمله فلن تسير المعاملة.
وعن علاقة الحوكمة الإلكترونية بباقي القطاعات في المملكة؟
تجيب العوايشة بأن الشح المائي مثلا وإدارة الطلب المائي وإدارة الفاقد الفني والإداري، بحاجة للحوكمة لتوفير عنصر سرعة الإنجاز وتوفر المعلومات مكانيا وزمنيا ونوعيا وذلك في بلد بحاجة لكل قطرة مياه، وأن تنظيم الزراعة وتحقيق قاعدة الأمن الغذائي بحاجة للحوكمة، وأن تنظيم قطاعات الخدمات بأنواعها وجعل عهد الطوابير وشبابيك الخدمة والطوابع أمر من الماضي يحتاج حوكمة.
وحول الربط ما بين الحوكمة والناحية الإقتصادية، قالت العوايشة لا بد من الإشارة إلى أن منع هدر المال والجهد والوقت في المعاملات اليومية أمور تحتاج حوكمة، وحماية البيئة والحد من التلوث والضجيج وهدر الطاقة وتقليل كلف التدهور البيئي تحتاج حوكمة، وأن مفاهيم الكلفة والعائد والنمذجة وتسهيل وتمكين صناعة القرار تحتاج حوكمة، وأن غياب شمولية وجودة الحوكمة في مؤسساتنا له ثمن؛ فالمستثمر يعزف عما نقدم له من حوافز وقوانين مشجعة وفرص إستثمارية حيث يصطدم بواقعنا وتعقيد وطول إجراءاتنا وهذه فرص بالمليارات تعتبر مفوتة ومهدورة ولها كلف علينا ليس أقلها الفقر والبطالة، وأن ضريبة الدخل وعدم توفر المعلومات بالربط العمودي والأفقي المحوسب يفوتها مئات الملايين سنويا من عمليات وعوائد تجارية مختلفة، وأن كلف الفساد بأشكاله ولغياب الحوسبة وتدفق المعلومات والربط المحوسب بين مختلف المؤسسات والقطاعات بمئات الملايين سنويا، وأن الكلف المقدرة لغالبية الإجراءات الروتينية التقليدية اليومية المعقدة، والتي يمكن حوسبتها وجعلها حاضرة البرمجيات الجاهزة والحواسيب الشخصية في البيت والمؤسسة والجامعة وغيرها، بدلا من التنقل والإزدحام والضوضاء والحوادث تعد أيضا كلفا لا يستهان بها، وبالمجموع فإننا بالتأكيد نتحدث عن خسارة مليارات الدنانير سنويا بين فرص مهدورة وكلف إقتصادية ناتجة عن غياب شمولية وجودة الحوكمة الإلكترونية المنشودة.
أين نحن الآن أستاذة عايدة في مجال الحوكمة الإلكترونية؟
قالت العوايشة أن ما نستقرئه من المعطيات يشير إلى أن وزارة الإقتصاد الرقمي حديثة العهد، تقف أمام تحديات مالية وفنية وقانونية وإجرائية إدارية لتحقيق قاعدة ربط وتدفق معلوماتي لنواكب العصر، ولكن الإنجاز تقريبا ضمن المؤمل، ومع موازنة مالية ذكية في العام القادم وثلاثية ملكية قد تكون العمود الفقري لكتاب تكليف سامي لحكومة جديدة وخطط تنفيذية واضحة المعالم، فقد نضمن إنطلاقة تحقق المؤمل لضمان مستقبل الدولة الأردنية لنواكب العالم في هذا الخصوص.
يقال بأن الحوكمة والتحول الرقمي ستسبب فقدانا كبيرا في الوظائف، فما الحل؟
أكدت العوايشة أن “من لا يتطور ينقرض”، هذه مقولة وحكمة تسير عليها الدول الصناعية، وبالتأكيد فإن إختصار عشرة شبابيك يقف عليها المواطن لينهي معاملته بمنصة محوسبة لمؤسسة ما، سيفقد عشرة موظفين عملهم، وغالبا كل شباك يديره ثلاثة إلى خمسة، فنتحدث عن مئات يفقدون وظائفهم أمام منصة تنجز معاملتك من خلالها بدقائق معدودة، لكن من الذي برمج المنصة؟ ومن الذي يغذيها بالمعلومات؟ ومن الذي يوفر لها الحماية السيبرانية؟ ومن الذي يطورها؟ ومن الذي يديرها؟ … إلخ، فهذه أيضا كلها وظائف ومتقدمة أيضا.
ما هي المخرجات المتوقعة؟
تقول العوايشة هنا نوجد جيل يبتكر ويخترع وينمذج ويصنع وينتج ضمن أفضل ظروف العلم والتكنولوجيا لتوفير المال والجهد والوقت والطاقة، مما يعني مدنا نظيفة ذكية مستدامة، مقابل توفير بيئات إستثمار وأعمال وريادة وإبتكار داعمة وجاذبة، وضمان النزاهة والشفافية والسيطرة على الترهل الإداري؛ فالعمليات المحوسبة وتكنولوجيا المعلومات مرتبطة ببرمجيات وكودات ذكاء إصطناعي تبني القرار، وتتعامل مع معلومات صحيحة تتدفق من مصادرها الرسمية، ولا مجال للفساد ولا للتأخير ولا لمنتج رديء.
إلى أين يتجه العالم اليوم؟
أشارت العوايشة أعجبتني جزئية لمداخلة عبر منتدى الإبتكار والتنمية كتبها السيد خالد الصفران من مقر إقامته في إيطاليا ويقول: وجهوا طلبة المدارس والجامعات لمجالات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، التعليم الآلي، الروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، انترنت الاشياء IOT, الامن السيبراني، بلوكشين Blockchain، التجارة الإلكترونية E-commerce ، لوجستيك وادارة سلاسل التوريدات ، الدرونز… وهذه هي القطاعات الأعلى دخلًا والأسرع في ايجاد فرص العمل في اي مكان من العالم، وأوافقه الرأي، وأضيف بأن العالم الإفتراضي وكما يرى المستشار د. صالح الحموري والدكتور رامي الدماطي من مقر إقامتيهما في دبي سيغزو العالم بما يدعى “الميتافيرس”؛ بالتعليم والطب والخدمات والرفاهية وغيرها.
ماذا عن الحوكمة وإدارة المخاطر؟
قالت أ. العوايشة المصطلح واسع جدا، فهنالك مخاطر طبيعية ومخاطر مالية ومخاطر أمنية وغيرها، والذكاء الإصطناعي المحوسب المدعم بمعلومات تتدفق كمدخلات ومتغيرات إقتصادية مثلا، أو عبر مجسات للكوارث الطبيعية، كلها تمكن إستشراف المستقبل قبل الكارثة، وتمكن إختيار السيناريو الأكثر واقعية للحلول من خطط الطواريء بأنواعها.
بماذا تودي ختام اللقاء؟
قالت العوايشة بأنه لا شك بأن غياب شمولية وجودة الحوكمة أمر يهدر فرصا إقتصادية كثيرة، وبالمقابل يشكل سببا لهدر الوقت والجهد والمال إضافة لما جاء بالتفاصيل سابقا، وكل ذلك له كلف نفسية ومالية ذات أبعاد سياسية وإقتصادية وإجتماعية، وأن العالم لن بنتظرنا كثيرا حتى نحقق شمولية وجودة الحوكمة المنشودة، لأنها الأساس للرقمنة والتحول الرقمي، وأن بيئات الأعمال والتجارة والمعاملات العالمية باتت تتطور، وقد بات علينا لزاما ولتمكين إقتصادنا أن نجاريها منعا لحدوث فجوة قد تنعكس علينا سلبيا.
وأختم بأننا يجب أن نتقدم ونعاصر، ومع ذلك فيجب أيضا أن نحافظ على العادات والتقاليد الحميدة والتراث والموروث الحضاري والفكري الإيجابي.