مقالات

توصيات مجلس التعليم العالي للجامعات بشأن التدخين بين الفرضية والواقع

ديرتنا – عمّان

علي الهاشم السوالمة

توصيات مجلس التعليم العالي للجامعات بشأن التدخين بين الفرضية والواقع

إن مكافحة التدخين واجب وطني وديني وأخلاقي، لا سيما أن الأردن في مقدمة البلدان بأعداد المدخنين، ذكورًا كانوا أم إناثًا. حيث أشارت الأرقام في آخر إحصائية بحسب المجلس الأعلى للسكان أن الخسائر الاقتصادية بلغت 1.6 مليار دينار سنويًا، وأن الأردنيين ينفقون ما مقداره 25 مرة أكثر مما ينفقونه على صحتهم، وأكثر بـ 10 مرات من الإنفاق على التعليم، و1.5 مرة من الإنفاق على الطعام.

ومع الأخذ بعين الاعتبار متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على مجموعات السلع والخدمات حسب المحافظات، فإن هنالك بعض المحافظات الأردنية تنفق على منتجات التبغ والسجائر أكثر مما تنفقه على منتجات الدواجن واللحوم، كما في البلقاء والزرقاء والمفرق.

ومن المثير للقلق أن الأردن رقم واحد في إقليم شرق المتوسط كأكثر الدول استهلاكًا للتدخين بين الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فما فوق، بنسبة بلغت 36%، رغم أن القانون يعاقب كل من يبيع التبغ للأشخاص دون 18 عامًا. قبل عدة أيام، صدر التوصيات من مجلس التعليم العالي للجامعات بأن تلتزم بتطبيق توصيات اتحاد الجامعات الأردنية لمكافحة التبغ والتدخين، ومن أهم هذه التوصيات مطالبة جميع الجامعات بتطبيق قانون الصحة العامة وبذل كافة الجهود لخلق بيئة خالية من التدخين بأنواعه داخل الحرم الجامعي، وابعاد مراكز بيع التبغ 200 متر كحد أدنى عن الأسوار الجامعية، وإدراج مضار التدخين ومعلوماته في منهاج خاص يُجبر على دراسته كل طلاب الجامعات. كذلك نصت التوصيات على ضرورة إقامة الجامعات عيادات خاصة لمعالجة المدمنين على التبغ والتدخين بكافة أنواعه، وتشكيل لجان من الطلبة أنفسهم بالاشتراك مع إدارات الجامعات، ورصد ميزانية خاصة لهذه اللجان لتطبيق منع التدخين والسياسات والإجراءات في هذا الخصوص.

إن كل ما صدر من توصيات هو جميل، لكن إذا ما جئنا للتطبيق على الواقع، سنصطدم بعدة مشاكل. وأولها: أن الطلبة أنفسهم واعون ومدركون لأضرار التدخين سواء الصحية أو النفسية وحتى الاقتصادية، لكن لا يوجد لديهم رغبة حقيقية في الإقلاع عنه أو حتى الالتزام بالأماكن المخصصة للتدخين التي جُهزت فيما سبق. وأكاد أجزم بأن الأماكن المخصصة للتدخين في جميع المؤسسات الحكومية وحتى الخاصة لا تُستخدم بالشكل المنشود أو حتى لا يدخلها المدخن إلا مكرهًا مجبرًا على ذلك.

المعضلة الأخرى التي قد تواجهنا في التطبيق هي عدم وجود الرادع المناسب. ولو جئنا لمجتمع الجامعات، لن نجد طالبًا واحدًا أخذ عقوبة أوقفت مسيرته الدراسية أو أُلحق به ضرر يستدعي أن يقف الطالب ويتأمل ويفكر بعدم العودة للتدخين أو عدم التدخين داخل الحرم الجامعي على الأقل.

ما يجب فعله اليوم هو التطبيق العملي وبجدية داخل الجامعات لمكافحة هذه الآفة. فكل المعلومات النظرية التي قد يدرسها الطالب هي جيدة وتغذي معرفته، لكننا اليوم في عصر التكنولوجيا. وعندما نصدر توصيات تستهدف طلبة الجامعات، يجب أن ندرك أننا نتعامل مع فئة عمرية تتعامل مع التكنولوجيا بشكل كبير. فلم أسمع مرة أن هناك شابًا أقلع عن التدخين بمجرد أنه سمع بمعلومة طبية عن ذلك، رغم غزارة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. وباعتقادي الشخصي، وبما أنني طالب في الجامعة الأردنية، فإن فكرة تدريس مساق مكافحة التبغ هي فكرة باتت مستهلكة حتمًا، فهي كانت تُدرس ضمن وحدة خاصة في مساق التربية الصحية.

والسؤال هنا: ما هي صلاحيات هذه اللجنة؟ وكيف ستؤثر إيجابيًا في التخفيف من هذه الآفة داخل الأسوار الجامعية؟ وهل سيكون لها صلاحيات بالدخول لأروقة المكاتب والدوائر في الجامعات وتوجيه العقوبات حتى للموظفين؟

وبإعتقادي أيضًا أنه يجب أن نتجه لعقوبات تحث الطلبة على الإقلاع في حال ضبطت حالات تدخين داخل الحرم الجامعي. بمعنى أنه إذا تعرض الطالب للاستجواب بسبب قيامه بالتدخين في غير الأماكن المخصصة لذلك، يجب ألا نكتفي بتوجيه إنذار شفوي أو كتابة تعهد، بل علينا أن نستبدلها بعمل اجتماعي يُنفذ داخل الجامعة أو قضاء عدد ساعات معينة داخل المكتبة يجب أن ينجزها أسبوعيًا.

أخيرًا، هذه الآفة ليست دخيلة على مجتمعنا ولا ننكر ذلك، لكن علينا أن نواجهها بكل ما أوتينا من قوة لنصل إلى أردننا الذي عاهدنا الله وأنفسنا على أن نبقيه عزيزًا شامخًا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى