مقالات

السلايطة يكتب : هل مملكه الغساسنه وقبائلها العربيه الاردنيه إمتداد تاريخي للأنباط ام لا ؟

خاص لـ ديرتنا – عمّان

بقلم المحامي إحسان عيسى السلايطه

للإجابه عن هذا السؤال يقتضي أيضا طرح تساؤل بمعرض الإجابه عليه ،
عندما إندثرت مملكه الأنباط في الأردن وحتى مدائن صالح شمال غرب الجزيره العربيه ، هل أصبحت البلاد تعج بالعجم والروم مثلا كما يصوره بعض الحاقدين على تاريخنا الاصيل ؟! وكم كان عددهم وما هي نسبه العرب منهم ؟ ومن هم الغساسنه وتجمع قبائل تنوخ (عرب بلاد الشام) ومن هم السريان اصحاب الحضاره الآراميه الأصيله ببلاد الشرق كما أُطلق عليهم بأسفار موسى ؟

الكتب التاريخيه لا تتحدث كثيرا بتفاصيل عن هذه الفتره ,وإن تحدثت تفتقر إلى المراجع الموثوقه وبالأخص المراجع القديمه التي وصلت إلينا عن طريق حركه التنوير التي قادتها الكنسيه السريانيه الأرثذوكسيه وأُدبائها ومفكريها بالقرون الأولى للمسيحيه حيث إهتمت بالتوثيق والنشر والترجمه وتعريب الكتب والمراجع اليونانيه والآرامية /السريانيه القديمه وأدخلوا عليها الطباعه وعلم التصنيف والمكتبات بمراحل لاحقه .

اذ تؤكد معظم المصادر التاريخيه أن الاردن كغيره من دول منطقه حوض البحر الأبيض المتوسط خضع لحكم الروم وبالتالي وجود الروم مؤكد وثابت بإرثهم الحضاري والمعماري الماثل للعيان حتى يومنا هذا .

ونرجع الى أصل الموضوع والتساؤل: الى أين ذهب الانباط العرب ؟ تشير معظم المصادر التاريخيه بأن الملك النبطي العربي (رب إيل الثاني) هو آخر ملوك الأنباط إنتهى حكمه عام ١٠٦ ميلادي بسقوط البتراء بحمله عسكريه قادها إمبراطور الروم ” تراجان” الكبير وأصبحت دوله الأنباط ولايه روميه عربيه تتمتع بحُكم ذاتي تُدار بنظام “الفيلارخ” من خلال الإعتراف بزعماء قبائل “الساراسين” مصطلح أطلقه الروم إشار إلى القبائل ⁧‫العربيه‬⁩ البدوية التي أسست “مملكه الغساسنه” بعام 220 إلى 638 ميلادي حُكم عربي مسيحي دام أربعمائة وثماني عشرة عاما -قبل الإسلام- فكان هذا الكيان السياسي الوريث الشرعي والاجتماعي لدوله الانباط بعد سقوطها وتأسس بتحالف أقدم وأعرق القبائل العربيه من غسان ولخم وقضاعه وطيء وسليح وعامله وجذام وبلى بباديه الاردن و قبائل ربيعه العدنانيه وبني كلب وتغلب بالشمال وتحالفات قبليه شملت كامل أراضي بلاد الشام وشمال الجزيره العربيه و صحراء سيناء لسنا بوارد التوسع بذكرها.

‏حيث استخدموا شكلاً من أشكال الكتابة بالخط النبطي الذي كان جزءا من ثقافتهم وأدبهم المكتوب إلى جانب لغه الثقافه الآراميه السائده بحينها ، شّكلوا مع الروم حلفاً عسكرياً لحمايه الإمبراطوريه من غزو الشرق ( الفرس والمناذرة ) الأعداء التاريخيين للروم ، مقابل إستقرار و إعتراف بحكم سياسي ذاتي حتى وصل بهم حق المشاركه بحكم الإمبراطوريه الرومانيه وتمثيلهم كأباطرة وملوك من أُصول عربيه ونبطيه كسلاله ملوك الاباجره التي حكمت مملكه الرها السريانيه ، والملك فيليب العربي الغساني و ماركوس يوليو و حسان بن النعمان الغساني وغيرهم من رجالات الدوله والمهندسين وقواد جيوش عظام .

حيث شكلوا كيانا سياسياً أطلق عليه المؤرخون الرومان بالقرن الثالث الميلادي بجغرافيه”بلاد العرب” ظهرت ضمن الخرائط القديمه ذات المقاطعه العربيه التاريخيه التي تظم أراضِ غربي نهر الفرات وجنوب سوريا حتى جبال لبنان وكامل مساحه الاردن لغايه شمال غربي الجزيره العربيه و صحراء سيناء وهي مركز وعمق بلاد العرب وحدود سيطرت قبائلها وهي ذاتها جغرافيه مملكه الغساسنه التي ضمت بجُزئها الأكبر كامل مساحه الأردن بحدوده السياسيه الحاليه وهو ما أكده العثور على أكثر من ٥٠.٠٠٠ ألف نقش حجري صفائي/حسامي أُكتشفت بسهول حوران وباديه الأردن الشرقيه بالمفرق واُم الجمال إهتم بدراستها وتدقيقها أ.د أحمد الجلاد أُستاذ التاريخ وعلم اللغويات بجامعه هارفرد .

فبسقوط البتراء كما ذكرنا تناثرت القبائل العربيه النبطيه على واسع حدود بلاد العرب وقد عرفوا ب (التنوخيين) وهم تجمع قبائل عرب بلاد الشام اطلق عليهم الروم (ملوك الصحراء) منهم أيضا اللخميين حكام الحيره والغساسنه حُكام الأردن وجنوب سوريه والمناذرة حُكام العراق والسريان حكام بلاد آرام وأعالي بلاد ما بين النهرين حيث شكلت هذه
القبائل العربيه والسريانية ممالك مستقله بتحالفات ومصالح مع الروم والفرس وكانوا بصراعات عسكريه دائمه .

حيث وباعتناق الإمبراطورية الرومانيه الديانه المسيحيه بزمن الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم بين أعوام (306–337م) أصبحت المسيحيه الديانه السائد لمعظم القبائل العربيه منهم الغساسنه وحِلفها التنوخي و المناذره واللخميين والسريان، حيث أقيمت لهم الرُوتب وعُيِنَ لهم “أساقفة الخيام” بالصحراء و عُين لهم رهبان وأُقيمت لهم الأديره بحواضرهم وقراهم بكافه أرجاء بلاد العرب , فمن هنا بدأ التاريخ الارذوكسي للقبائل العربيه الغسانيه بالاردن و بلاد الشام حيث إمتد هذا الوجود لما يزيد عن اربع قرون ونيًف وهو تاريخ إنضمامهم لدوله الخلاقه الرّاشديه الإسلاميه عام ٦٣٢ ميلادي حيث وبانتشار دعوه الرسول الكريم شمالا لبلاد العرب دخل الجزء الأعظم من القبائل العربيه وكبرى قبائل تنوخ من غسان وطي و قضاعه وسليح وعامله وبني تغلب وكلب ولخم وجذام وربيعه العدنانيه وغيرها الاسلام وبقي الجُزء اليسير على الدين المسيحي بالطائفه الأرثوذكسية الأم .

حيث سَجّل التاريخ وقوف الغساسنه العرب المسيحيين بصفوف الجيوش الإسلاميه بمعارك مؤته واليرموك وصفين وغيرها ضد الروم/البيزنطيين وكان فرسانهم وقوادهم بطليعه جيوش المسلمين بفتح شمال إفريقيا والأندلس وأعزهم الرسول الكريم من بين أقوامه كالعزيزات ورفع عنهم الجزيه وحفظ أموالهم وممتلكاتهم وكنائسهم ، منهم قبائل اردنيه عريقه مسلمين ومسيحيين ما زالوا متواجدين على ارض الأردن المقدسه ليومنا هذا سكنت معان والكرك ومادبا والسلط والفحيص ومدن وقرى شمال المملكه ، ومنها قبائل سوريه سريانيه عريقه سكنت سهول حوران والباديه السوريه حتى حمص وحماه وجبال لبنان وجنوب فلسطين.

هذا هو الأردن البهي الجميل بتاريخه وأرضه وشعبه وقيادته الهاشميه العريقه .

* يُسمح بالنقل او الإقتباس شريطة الإشارة للمصدر “ديرتنا نيوز” والكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى