مقالات

بين ادعاء الوطنية وممارسة الإرهاب: حين تسقط الأقنعة

ديرتنا – عمّان

النائب الدكتور شاهر شطناوي

في لحظة وطنية حرجة، يكشف الوطن مجددًا عن قدرته على التصدي للمخاطر، ويميط اللثام عن وجوهٍ تسترت خلف شعارات زائفة، وأقنعة الوطنية المضلّلة، لتخفي تحتها مشروعًا تخريبيًا يهدف إلى زعزعة الأمن الوطني، وتقويض الاستقرار، وتمزيق النسيج الاجتماعي الأردني.

فما أعلنت عنه الجهات الأمنية الأردنية من ضبط خلية إرهابية، تتبع لحزب يدّعي انتماءه الوطني، ليس تفصيلًا عابرًا، بل هو مؤشر خطير على اختراق بعض الجهات لخطاب الوطنية، ومحاولة استغلاله في تمرير مشاريع عنف، ومؤامرات تآمرية ضد الدولة والمجتمع على حد سواء، لقد كشفت التحقيقات عن قيام هذه الخلية المشبوهة بتصنيع أسلحة محلية داخل منشأة سرية، ما يشير إلى نية مبيتة لإحداث فوضى أمنية منظمة، لا يمكن تبريرها تحت أي شعار أو خطاب.

وما هو أشد خطورة، أن من يقفون خلف هذا العمل الإجرامي لم يكتفوا بالتخطيط والتحضير، بل شرعوا أيضًا في بث خطاب تعبوي تحريضي، يحاول دفع الشارع الأردني إلى الخروج في مظاهرات غير مشروعة، تحت ذريعة الدفاع عن “معتقلين سياسيين”، في حين أن الحقائق والوثائق تؤكد أنهم متورطون في تشكيل ما يشبه “مصنعًا للإرهاب المحلي”.

هنا، لا بد أن نقف عند مفهوم الوطنية الذي يحاول هؤلاء اختطافه، فالوطنية ليست شعارًا يرفع عند الحاجة، ولا غطاءً يُستعمل للهروب من المساءلة أو العقاب، الوطنية موقف، والتزام أخلاقي، ووعي جمعي بأن حماية الدولة هي أولوية لا تحتمل المساومة، أما أن تتحول الوطنية إلى مظلة لتمرير العنف، أو غطاء لتبرير صناعة السلاح داخل البلاد، فذلك تدنيس صريح للمعنى العميق للانتماء.

فالأردنيون يعرفون جيدًا الفرق بين المعارضة المسؤولة التي تسعى إلى الإصلاح، والمعارضة الزائفة التي تلبس ثوب الأيديولوجيا لتخفي مشروعًا هدامًا، ويعرفون أن المطالبة بالإصلاح لا تعني التحريض على أجهزة الدولة، ولا يعني التشكيك في مؤسسات الأمن التي أثبتت مرارًا وطنيتها وكفاءتها، بل إن وجود المعارضة الوطنية الواعية جزء من توازن الحياة السياسية، بينما وجود خلايا مسلحة تحت عباءة “الحزبية” هو خيانة للمجتمع والدولة على حد سواء.

نحن في لحظة يجب أن يُعاد فيها تعريف الاصطفاف الوطني بوضوح: إما أن تكون مع الدولة، ومع القانون، ومع أمن الناس، أو أن تكون ضدهم، لا مساحات رمادية في مواجهة من يسعى لتخريب الوطن، لا باسم الدين، ولا باسم الحزب، ولا باسم ما يسمى “الحق في التعبير”، حين يتحول هذا التعبير إلى منصة لتجييش الشارع وبث الفتنة وتحطيم الاستقرار.

إن الموقف الشعبي الصادق، كما هو عهد الأردنيين، يجب أن يتجلى في أعلى درجاته من الوعي والتضامن والرفض القاطع لمحاولات تضليل الشارع أو خلق صراعات داخلية زائفة، فالأردن ليس بلدًا هشًا، بل هو بلد قوي بجبهته الداخلية، وبقيادته الهاشمية، وبجيشه وأجهزته الأمنية، وبإرادة شعبه الصلبة التي لطالما أحبطت المؤامرات وأسقطت رهانات الحاقدين.
إن الوطنية الحقيقية لا تُصنّع في الخفاء، ولا تُبنى في الظلام، ولا تُطلق من فوهة سلاح محلي الصنع، الوطنية تبنى بالوضوح وبالقانون وبالعمل، وبالإيمان العميق بأن هذا الوطن لا يُحمى إلا بأيدي أبنائه الشرفاء.
حفظ الله الأردن وقيادته الهاشمية الحكيمة وأمنه واستقراره.

 

زر الذهاب إلى الأعلى