اعلى الصفحةالاقتصاد والاعمالالرئيسيمقالات

الفرجات يكتب عن أهمية التريث في قرار تصفية شركة تطوير وادي عربة

ديرتنا – عمّان – كتب أ.د. محمد الفرجات

في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من ضغوط متزايدة، وتُثار فيه التساؤلات حول جدوى بعض السياسات الحكومية، تفاجأت الأوساط الاقتصادية والاجتماعية بقرار الحكومة تصفية شركة تطوير وادي عربة، الذراع التنموية الأهم في منطقة استراتيجية لم تأخذ نصيبها من التنمية العادلة. ومن هذا المنطلق، نناشد الحكومة الموقرة بالتريث وإعادة النظر في هذا القرار، لما له من انعكاسات جسيمة على مستقبل التنمية في وادي عربة وعلى الاقتصاد الوطني ككل.

أولاً: شركة تطوير وادي عربة… تجسيد للرؤية الملكية

إن تأسيس شركة تطوير وادي عربة لم يكن وليد صدفة أو مجرد فكرة تنفيذية مؤقتة، بل جاء استجابة مباشرة لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، الذي أوعز للحكومات السابقة منذ نحو عقد زمني، بتطوير وادي عربة وتحويله إلى حاضنة اقتصادية وطنية كبرى تشمل الصناعات الثقيلة والمتوسطة، والزراعة الحديثة، والطاقة المتجددة، والسياحة البيئية، وتنمية المجتمعات المحلية، وذلك في مساحة تزيد عن ألفي كيلومتر مربع، من جنوب البحر الميت إلى شمال مطار العقبة.

هذه الرؤية الملكية لم تُبْنَ على رغبة فردية بل على معطيات استراتيجية وموقع جغرافي نادر، وطبيعة غنية بالموارد، وقرب من خليج العقبة ومينائه ومطاره، ووجود مصادر طاقة شمسية ضخمة قابلة للاستثمار. ومن شأن هذا المشروع، حال تفعيله، أن يشكل رافعة اقتصادية حقيقية للأردن، ويخلق آلاف فرص العمل، ويؤسس لمركز تنمية وطنية مستدامة.

ثانيًا: مشاريع وعقود قيد التنفيذ – لا يمكن لسُلطة وادي الأردن استيعابها

منذ تأسيسها، (حيث كنت عضوا مؤسسا وعملت على ملفات هامة فيها آنذاك كالمياه والاستراتيجية والخطط التنفيذية والتواصل مع المجتمع المحلي)، حملت الشركة على عاتقها ملفات اقتصادية واستثمارية هامة، ووضعت خططًا استراتيجية وتنفيذية طويلة الأمد، أُنجز منها الكثير، وجزء منها قيد التنفيذ، والبعض الآخر في مرحلة الترويج أو التفاوض. من هذه المشاريع:

خطط لاستكشاف وتطوير الموارد المائية الجوفية لتوفير مصادر مستدامة.

مشروع تحلية المياه من خليج العقبة باستخدام الطاقة الشمسية، لتزويد الزراعة والشرب.

مشاريع زراعية حديثة ترتكز على الاستدامة والاكتفاء الذاتي والتصدير.

برامج تنمية وتمكين المجتمعات المحلية في القرى المحيطة.

شراكات استثمارية قيد التوقيع مع جهات محلية وإقليمية ودولية.

نقل هذه الملفات إلى سلطة وادي الأردن يُعد عبئًا قانونيًا وإداريًا لا تستطيع السلطة استيعابه ضمن صلاحياتها المحدودة، فهي جهاز تنفيذي يختص بالبنى التحتية الزراعية، ولا يمتلك الأدوات القانونية أو الفنية أو الإدارية لإدارة استثمارات كبرى أو شراكات تنموية استراتيجية.

ثالثًا: الأثر المجتمعي للقرار

تصفية الشركة تُعد مفاجأة لأبناء المنطقة الذين كانوا يعوّلون على هذا المشروع لتحقيق نقلة نوعية في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية. لقد عانت منطقة وادي عربة طويلًا من التهميش ونقص الفرص، وكانت الشركة بارقة أمل لأهلها، تمثل تطلعاتهم بعد سنوات من المعاناة.

تصفية الشركة الآن تعني القضاء على الأمل، وتجميد المشاريع، وعودة الفقر والبطالة للواجهة، بدلًا من تعزيز التنمية والاستقرار في واحدة من أكثر مناطق المملكة حاجة للدعم.

رابعًا: البُعد الوطني والاستراتيجي

المقارنة بين الجانب الأردني في وادي عربة والجانب المحتل من ذات الجغرافيا توضح حجم الفجوة. فالاحتلال الإسرائيلي يستثمر الأراضي المقابلة في ذات الشريط الجغرافي والمناخي، ويجني منها مئات الملايين من الدولارات سنويًا، من خلال مشاريع زراعية متقدمة، وصناعات تحويلية، ومراكز سياحية وتقنيات ري ذكية، ومراكز بحثية إبتكارية متقدمة للمناخ والبيئة والمياه.

وفي المقابل، نحن نملك الأرض والفرصة والرؤية والدعم الملكي، ومع ذلك نقرر تصفية الأداة الوحيدة القادرة على تحويل الحلم إلى واقع! هذا التناقض الصارخ يستدعي وقفة وطنية مسؤولة. أليس من الأولى أن نُكرس أدوات استثمار فاعلة بدلًا من الانسحاب منها؟ خاصة وأن المشروع يمثل فرصة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الخارج وزيادة الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل.

خامسًا: دعوة للتريث

إننا نُخاطب هنا حكومتنا الرشيدة، وندعوها إلى:

1. التريث في تنفيذ قرار التصفية إلى حين إجراء مراجعة أكثر شمولية.

2. تقييم الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمشروع وأثر القرار على الأهالي والمنطقة.

3. تشكيل لجنة وزارية تضم خبراء وممثلين عن أهالي المنطقة ومجلس النواب، لدراسة القرار.

4. إعادة طرح رؤية تطوير وادي عربة كمشروع وطني استراتيجي ضمن أولويات التحديث الاقتصادي.

5. التمسك بهذه المؤسسة وتطويرها بدلًا من تصفيتها.

وادي عربة ليست مجرد مساحة صحراوية، بل هي فرصة وطنية كبرى. وتطويرها لا يُعد ترفًا، بل ضرورة أمنية واقتصادية واجتماعية. أما شركة تطوير وادي عربة، فهي الأداة الأنجع لتحقيق هذه الرؤية. فهل من الحكمة الآن أن نجمد أو نوقف هذه الأداة؟

نأمل أن تراجع الحكومة الموقرة قرارها، وأن تدعم صمود مشروعا وطنيًا منتجًا لأجيال قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى