الطفل الذي كان يضحك… ثم سكت: الهواتف الذكية وسرقة الطفولة الصامتة

ديرتنا – عمّان
بقلم: د. شادية خريسات – أخصائية نفسية
من واقع خبرتي كأخصائية نفسية، أتابع يوميًا تأثيرات استخدام الهواتف الذكية على الأطفال في سنواتهم الأولى، تلك المرحلة الحساسة التي يُبنى فيها أساس النمو النفسي والعقلي والاجتماعي. لقد أصبح من الواضح أن هذه الأجهزة، رغم ما تحمله من مزايا ترفيهية وتعليمية، قد تُحدث أضرارًا نفسية وسلوكية في حال استخدامها بشكل مفرط وغير مدروس.
الطفل في سنواته الأولى يحتاج إلى تفاعل مباشر وحقيقي مع محيطه البشري؛ فاللغة تُكتسب بالكلام، والعواطف تُشبع باللمسات والابتسامات، والمهارات الاجتماعية تُبنى من خلال اللعب الجماعي والاتصال المباشر مع الوالدين والمحيط. حين يُستبدل هذا التفاعل بشاشات إلكترونية مليئة بالمؤثرات السريعة والمشتتة، فإن الطفل لا يكتسب المهارات الحياتية بشكل صحي، بل يبدأ في الانسحاب داخل عالم افتراضي قد يكون سببًا في تأخر النطق، وضعف التركيز، والقلق، وحتى نوبات الغضب.
في عملي، رأيت أطفالًا كانوا في السابق ضاحكين ومستكشفين، يتحولون تدريجيًا إلى أطفال صامتين، يعزفون عن اللعب مع الآخرين، ويظهرون مقاومة شديدة عند محاولة فصلهم عن أجهزتهم. هذا الصمت الذي يسبقه الضحك، هو بمثابة نداء داخلي لطفل يحتاج إلى الحضور الإنساني الحقيقي، لا إلى شاشة تغمره بالمحتوى السريع ولا تسمح له بالتعبير عن ذاته.
التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب وعيًا مجتمعيًا وأسرًا مسؤولة. أنصح بعدم استخدام الهواتف الذكية للأطفال دون عمر السنتين إطلاقًا، أما للأطفال من عمر سنتين إلى خمس سنوات، فيجب أن يكون الاستخدام محدودًا تحت إشراف الأهل، وبمدة لا تتجاوز الساعة يوميًا. والأهم من ذلك، هو مشاركة الأهل في المحتوى، وتحويل الوقت أمام الشاشة إلى فرصة للتفاعل وليس للعزل.
أؤمن أن الطفل الذي يُمنح وقتًا نوعيًا مع أسرته، من خلال اللعب الحر، ورواية القصص، والغناء، والحوار الودي، يحصل على الغذاء النفسي الذي يحتاجه لينمو متوازنًا وقويًا نفسيًا. الطفل بحاجة إلى نظرات دافئة، وأصوات محبة، ولمسات حنونة تشعره بالأمان والاحتواء، ولا يُعوَّض ذلك بأي تكنولوجيا مهما كانت متقدمة.
الهاتف الذكي قد يسكت الطفل مؤقتًا، لكنه لا يغني روحه ولا يُغذي حواسه. علينا أن نعيد للطفولة صوتها الطبيعي، صوت الضحك واللعب والتفاعل الإنساني، بعيدًا عن صمت الشاشات التي سرقت جزءًا من أجمل فصول الحياة.