اضاءات
القضاة تكتب: القطط التي تسرق أبناءنا وغياب الجهات الحكومية المسؤولة والمعنية

خاص لـ ديرتنا – عمّان – كتبت رحاب القضاة:
في زاوية الليل بينما أسند رأسي إلى حافة الإرهاق تصادفني على شاشة هاتفي قطة من قطط الافلام والفيديوهات المنشورة على مواقع التواصل، تودع زوجها وتذهب لناد، يتحرش بها المدرب في النادي وتخون زوجها وتغازل ذكرًا آخر في جلسة يبدو فيها الدفء أكثر من اللازم…
ضحكت في داخلي: يا لسخرية الأشياء!
لكن بجانبي انفرج وجه ابنتي وقالت ببراءة: “كيووووت!”
وهنا توقفت الضحكة.
بل تجمدت في حلقي لأن خلف هذا “الكيوت” المدهش
كان السمّ يغرس أنيابه في عقل صغير ما زال طريًّا هشًا قابلًا للتشكيل… والتشويه.
ليست القطط هي العدو.
بل الفكرة.
وليس “اللُطْف” هو الكارثة بل ما يُخفيه من سموم تربوية قاتلة.
هناك من يجلس بعيدًا يعرف تمامًا أن الضرب في الجذع لا يسقط شجرة
لكن الضرب في الجذر… ينهي الغابة.
وهكذا بدأت الحرب الناعمة.
فيديوهات قصيرة جذّابة، بريئة الشكل، تنزل كالماء في العقل… لكنها تغرقه.
قطة تُمارس حياة الإنسان بتهتك أخلاقي حقير
رجل يترك أبناءه لأن “الحب الجديد أهم”
امرأة ترمي طفلًا أنجبته من علاقة “لم تكن محسوبة”
صداقة تنهار بخيانة، وخيانة تُعرض كحقٍّ شخصي…
وكل ذلك في دقائق بل ثوانٍ، تسكن فيها أفكار منحطة في عقل طفلك قبل أن تسكن وجبته في معدته.
أفكار تهاجم العائلة
تُحقر الأمومة، تُهشّم الأبوة، تُسوّق العلاقات العابرة كنجاة، وتُقدّم الغدر على أنه ذكاء اجتماعي.
يا وزير التربية والتعليم،
أنت لا تحمي أبناءنا بالمنهج وحده
بل بالمعرفة الحيّة، بالمحتوى الممتد إلى عقولهم خارج الصف.
نحن في قلب العطلة المدرسية، حيث العقول مشرّعة لأي تأثير،
فهل من برامج مدروسة، مكثفة، جذابة، تربط الطفل بأهله وتدخله عالم القيم من أبواب اللعب والحكاية والفن؟
نحن بحاجة إلى تربية وقائية لا إلى مراجعة بعد فوات الوعي.
ويا وزارة الثقافة
الثقافة ليست للمهرجانات والجوائز وحفلات التكريم فقط
بل هي سلاح نبيل في معركة الوعي.
أين أنتم من الطفل الذي يقضي يومه مع “يوتيوبر” يعلمّه كيف يصبح فارغًا وضاحكًا وسط الحريق؟
ابنوا جسورًا بين الطفل وذاكرته بينه وبين لغته، تاريخه، قصصه، أبطاله، أمه وأبيه وجدّته…
ازرعوا فيه ما ينبت به قبل أن يغرس فيه غيركم ما يذبل ويُفقده هويته.
أما أنتم في مؤسسات المجتمع المدني
إن لم يكن عملكم اليوم مع العائلة، مع الأم والأب، فلا فائدة.
ارفعوا الوعي داخل البيوت لا فقط في القاعات المغلقة.
ساعدوا الآباء ليعرفوا كيف يقودون أبناءهم في هذا الزحام.
نحن بحاجة لخطط متكاملة تشارك فيها العائلة لا برامج موسمية تلمع في الإعلام ثم تنطفئ.
ويا وزير الإقتصاد الرقمي
هذه المنصات تحوّلت من فضاء للتعبير إلى مصانع للخراب.
ساعدنا لا بالحجب وحده بل بخلق بديل محترم، جذاب، يُنافس، وينتصر.
ويا وزير الإتصال الحكومي / الإعلام
هل يُعقل أن تُترك عقول أطفالنا مكشوفة على كل ما لا يُشبهنا، بينما منابرنا نائمة في العسل؟
نحن لا نريد فقط الحرية بل المسؤولية معها
لا نريد فقط البث بل حماية من هذا الطوفان الصامت.
وأخيرًا…
إلى كل أبٍ وأمٍ،
أنتم خط الدفاع الأول والأخير.
والأمانة في أعناقكم أغلى مما تظنون.
احتضنوا أبناءكم لا تتركوهم لمجهول يبتسم من الشاشة
فالنار هذه المرة ليست في الجمر، بل في العيون التي لا تنام، والقلوب التي لا ترى.