أبو عبده تكتب : بين ” الإشاعات” و “الصمت الايجابي” مسؤولية لا مفر منها

ديرتنا – العقبة – كتبت م.ندى أبو عبده :
في الأوقات المشحونة، لا تكون الحقيقة وحدها ضحية، بل يسقط معها الهدوء وتنهار الثقة. حين تُلقى الكلمات على عجل، وتُنسج التحليلات من مخيلة متوترة، تتعقد الأمور ويزداد التوتر.
وهنا تبرز المفارقة المؤلمة: بين من يندفع نحو بث الإشاعات ونشر التحليلات الشخصية، ومن يختار التريث والصمت الإيجابي… لا خيار بينهما، بل مسؤولية لا مفر منها.
في الأردن، نعيش بين صفارات إنذار تُسمع، وصفارات قلق تُبثّ بلا صوت، عبر منشورات ورسائل تُنشر على منصات التواصل الاجتماعي بغير وعي، فتزيد من حدة التوتر بدلاً من توضيح الواقع. وهنا، لا يهم رأيي ولا رأيك، فالموقف الرسمي واضح: “الأردن نأى بنفسه عن هذه الحرب، ويتعامل بمنتهى الحكمة مع تطورات الإقليم” – كما أكد وزير الاتصال الحكومي الدكتور محمد المومني، محذراً من تداول الشائعات التي “تسيء للأمن الوطني الأردني وتضر بالمصلحة العامة”.
وكما يُقال: “جراح اللسان أنكى من جراح السنان.” فالكلمة، إن لم تكن محسوبة، قد تصيب أكثر من (الرصاصة)، وتترك ندبة في وعي الجماعة لا تزول بسهولة.
أطفالنا لا يقرأون العناوين، بل يقرأون في أعين آبائهم. لا يسألون كثيراً، لكنهم يشعرون بكل تردد وقلق عابر، وبكل خبر متوتر. فالكلمة التي نطلقها أمامهم أو نكتبها على هواتفنا، قد تكون أول تفسير يتلقونه لهذا العالم المضطرب. فلنمنحهم الطمأنينة التي يستحقونها، ولندرك أن الكلمات التي ننشرها لا تصنع رأياً فقط، بل تصنع مناخاً عاماً يتنفسه الجميع.
في لحظات كهذه، تكثر التحليلات وتقل الحقائق، ويختلط الخوف بالحماس، وتتوه المسؤولية في فوضى التأويلات. يتسرع البعض في نقل ما سمع أو تفسير ما لا يفهم، معتقدين أن نشره “حرية تعبير”، متناسين أن الكلمة حين تخرج للعلن تصبح مسؤولية وطنية لا مزاجاً شخصياً. نحن نعيش في منطقة تعصف بها الأحداث من كل جهة، لكن هذا لا يعني أن نفتح بوابات التوتر بأيدينا، ولا أن نُربك البيت الأردني الذي عرف التماسك تاريخياً وسط العواصف. ما نحتاجه اليوم هو التحقق قبل النشر، الصمت عند الشك، والمسؤولية عند النشر. الوطن ليس مجالاً للتجربة، والأمن ليس قضية رأي، بل مصلحة عامة لا تحتمل المجازفة.
حتى التصوير غير المسؤول بصفة “المواطن الصحفي”، رغم النية الطيبة أحياناً، هو تصرف قد يرفع حالة التأهب عند مشاهديه، لا سيما إن كان دون تحقق أو خارج سياقه. ولا ننسى أن مواقع التواصل ليست بيئة متجانسة، بل خليط بين مستويات فكرية ونفسية وصحية متفاوتة، وقد يتأذى بعض الأشخاص جسدياً أو نفسياً من حالة الترقب المستمرة التي يعيشونها، بين هاتف يهتز، وشاشة تنذر، وعقل لا يهدأ.
وفي مثل هذه اللحظات الحساسة، حتى النكتة التي تُطلق بنيّة المداعبة قد تترك أثراً عميقاً في العقل الباطن. الناس متأهبة، والأذهان مشغولة، وكل كلمة “جادة أو ساخرة ” تجد طريقها إلى أعصاب مشدودة. لهذا أكتب، لأنني عزمت على التزام الهدوء التام، حتى تنقشع هذه الحالة المتوترة، وأتمنى أن نتعاون جميعاً على تلافي أي ضرر معنوي، بقصد أو دون قصد.
إن أكثر ما نحتاجه الآن هو السكينة لا الصخب، وموقفنا الثابت خلف قيادتنا بثقة هو المطلوب. فالأردن، كما عهدناه، يعرف متى يتكلم، ومتى يصمت، ومتى يلتزم بحكمة النأي، لا خوفاً بل دراية ومسؤولية. ولنحفظ الوطن من ضجيج لا يصنع أمنًا، بل يسرق هدوءنا على مهل.
حفظ الله الأردن وطنًا آمنًا، بقيادته وشعبه.