أبو عبده تكتب: إلى متى ستبقى الرياضيات”بُعبُع” التوجيهي؟!

ديرتنا – عمّان
✍️ بقلم: م.ندى ابو عبده
كل عام، يتكرر نفس المشهد: شكاوى، ارتباك، قلق، وتصريحات لا تنتهي حول “صعوبة” امتحان الرياضيات لطلبة التوجيهي العلمي. وكل عام، يراودني السؤال ذاته: لماذا تبقى مادة الرياضيات هي البُعبُع الأكبر؟ أليست هي المادة التي يُفترض أن تُعلّمنا التفكير المنطقي والقدرة على التحليل، لا الحفظ والتلقين؟
لطالما وُصفت الرياضيات بأنها “مادة الأذكياء”، لكنها في واقعنا المحلي تحوّلت إلى مادة الرهبة والإحباط. لا لأنها معقّدة، بل لأن البيئة التعليمية المحيطة بها لا تزال تُقدِّمها ككابوس امتحاني، لا كلغة عالمية للفهم والمنطق.
هل المشكلة في الطلبة؟ ربما جزئيًا. فاختيار المسار العلمي يتطلّب استعدادًا للتعامل مع الأفكار المجردة، والنماذج غير المحفوظة. لكن في كثير من الحالات، لا يكون هذا الاختيار حرًا. بل هو نتاج ضغط عائلي مستتر أو مباشر يدفع الطالب نحو التخصصات “المرموقة”، بغضّ النظر عن ميوله الحقيقية أو قدراته الذهنية. وما إن يصل الطالب إلى لحظة الحقيقة، ويتواجه مع اختبار مثل الرياضيات، حتى ينفجر التوتر داخل الأسرة نفسها، لأن الإيمان الداخلي كان مفقودًا من البداية.
ثم نأتي إلى أساليب التدريس، فنجد أن التعليم التلقيني عبر البث المباشر قد زاد من تعقيد المشهد. إذ يُلقَّن الطلبة خطوات الحل بشكل سطحي دون تدريب على القراءة الدقيقة أو التفكير الذاتي. مادة مثل الرياضيات لا يمكن فهمها عبر السمع وحده، بل تحتاج إلى هدوء، وورقة، وقلم، وعقل حاضر يحلل السؤال ويفكك المطلوب خطوة خطوة. أما الاكتفاء بنقل الحلول أمام الشاشة، فهو وهم مؤقت ينهار عند أول سؤال مختلف.
ومن الجدير بالذكر أيضًا، أن التركيز الإعلامي بعد كل امتحان على الطلبة الذين أخفقوا أو خرجوا باكين مرتبكين، يخلق صورة نمطية تتكرّس عامًا بعد عام في وعي الطلبة الجدد، مفادها أن “الرياضيات مستحيلة”. هذه التغطية اللحظية العابرة قد تترك أثرًا نفسيًا عميقًا، يسبق الدراسة نفسها، ويصنع خوفًا موروثًا قبل أن تبدأ المعركة الحقيقية مع المادة.
لكن حين تصدر النتائج، نُفاجأ بأن عددًا كبيرًا من الطلبة حصلوا على العلامة الكاملة، وتجاوزوا الامتحان بكفاءة عالية، دون أن يكون لهم ظهور في المشهد الإعلامي أو ضوء الكاميرات. وهذا يطرح تساؤلًا مهمًا: هل نحن نُسلّط الضوء على الإخفاق، أم نغفل قصص التفوق الهادئ؟
ما بين ضغط عائلي غير واعٍ، وخوفٍ يُصنع في القاعات، وتضخيمٍ يُغذيه الإعلام، وتلقينٍ لا يُنتج مهارة حقيقية، تضيع رسالة الرياضيات كأداة للفهم لا وسيلة للعقاب.
حان الوقت لنُراجع كيف نُعلّم، وماذا نُبرز، وما الصورة التي نرسمها في عيون أجيالنا القادمة.