مقالات

الحجاج يكتب: البلطجة والأمن الناعم

ديرتنا – عمّان – كتب معمر الحجاج

الحمد لله على نعمة الأمن والأمان في الأردن، هذا البلد الذي كان وما زال ملاذًا لكل من ضاقت به الأرض، ففتح ذراعيه لكل ملهوف، واحتضنه كما تحتضن الأم أبناءها. الحمد لله الذي جعل من الأردن واحة سلام في منطقة تعصف بها الأزمات.

لكن، وكما هي الحياة، لا تسلم الساحة من بعض المنغصات التي تفرض نفسها بين حين وآخر. منغصات ليست من نوع العادي أو العابر، بل من تلك التي تخلخل أعمدة المجتمع وتستفز فينا كل مشاعر الحزن والغضب. نحن نتحدث هنا عن أرباب السوابق، متعاطي المخدرات، فارضي الإتاوات، وكل من سولت له نفسه الاعتداء على حرمات الناس وأمنهم.

آخر هذه الحوادث الموجعة كانت جريمة تقشعر لها الأبدان، راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر، خرج من منزله صباحًا يطلب رزق الله، وعاد إليه محمولًا على الأكتاف جثةً هامدة، بعد أن طعنه أحد أصحاب السوابق بلا رحمة. حادثة تهزّ القلب وتؤجج الغضب المشروع في نفوسنا جميعًا.

فأي ذنب اقترفه هذا الشاب؟ وما ذنب أسرته التي كُتبت عليها الفجيعة؟ من المسؤول عن ترك هؤلاء المجرمين يسرحون ويمرحون بين الناس؟ أين الأمن الناعم الذي يجب أن يتوازن مع قوة الردع ومنع وقوع الجريمة ؟

نعم، نحن نؤمن بأن “الأمن الناعم” خيار استراتيجي، وهو ثمرة طبيعية لوعي المواطن الأردني وحرصه على سلامته وسلامة مجتمعه، لأنه ببساطة يرى في أبناء وطنه إخوانًا، وأبناء عمومة، وجيرانًا، بل وحتى الضيوف في الأردن يُعاملون معاملة أهل الدار. لكن في المقابل، هناك فئة قليلة ضالّة، انحرف مسارها عن هذا النهج، وانفصلت عن وعي المجتمع الأردني المتحضر، وهذه الفئة لا يصح ولا يجوز أن تُعامَل بنفس هذا الأمن الناعم، لأنها لا تفهم لغة التقدير ولا تحترم قواعد العيش المشترك.

لقد بات من الضروري أن تُضرب يد القانون من حديد، وأن يُنفذ حكم الإعدام على كل من تثبت عليه الجريمة دون رحمة، حمايةً للمجتمع، وردعًا لغيره. قال الله تعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون”. وليس هذا مبدأ إسلاميًا فقط، بل حتى في الكتاب المقدس جاء: “نفسٌ بنفس، عينٌ بعين، سنٌّ بسنّ، يدٌ بيد، رجلٌ برجل” (سفر الخروج 21: 23-24)، وهذا دليل على أن العدالة الحازمة مبدأ تشترك فيه الشرائع السماوية جميعًا، حمايةً للأبرياء وتحقيقًا للسِّلم المجتمعي.

وإذا بقي الحال كما هو عليه، دون تطبيق حازم للقانون، فإن الدور القادم – لا قدّر الله – قد يكون على قريب أو عزيز، وربما على أحدنا نحن. وهنا يصبح الصمت تواطؤًا، والتهاون جريمة بحد ذاته.

ندعو الله أن يتغمد الشاب المتوفى بواسع رحمته، وأن يجعل مثواه الجنة، وأن يربط على قلب أسرته المكلومة. كما نسأل الله أن يحفظ الأردن، ملكًا وشعبًا وأرضًا، من كل شر، وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار
وليكن صوتنا واحدًا: لا للبلطجة… لا للسكوت… نعم للعدالة… نعم للأمن.

الأردن أولًا وآخرًا…

زر الذهاب إلى الأعلى