اعلى الصفحةالرئيسي

الحقيقة المُرّة: القنّب ليس بريئًا… بل العكس تمامًا

ديرتنا – عمّان – كتب د. موسى داوود الطريفي

رغم التوسع المتسارع في تقنين القنب (الحشيش) في دول عديدة، إلا أن الأبحاث الحديثة تكشف عن أضرار صحية مقلقة تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، بينما الوعود التي رافقت التشريعات لم تتحقق كما أُشيع.

ففي الولايات التي قنّنت القنب، من “مين” إلى “كاليفورنيا”، تتوالى الدراسات العلمية التي تُحذر من مخاطره، خاصة على من يتعاطونه بشكل يومي أو مكثف. ولسنا نتحدث هنا عن “الشره للطعام” أو “النعاس على الأريكة”، بل عن صلة مباشرة بين الحشيش وبين النوبات القلبية، الجلطات الدماغية، الاضطرابات النفسية الشديدة، بل وحتى حالات الانتحار.

تشير الأدلة المتزايدة إلى أن مادة THC – العنصر النشط في القنب – سامّة للقلب والدماغ، كما أنها تُسبب الإدمان النفسي بدرجة لا يدركها الكثير من المستخدمين. الحشيش يؤدي إلى اعتماد نفسي قد ينتج عنه العصبية، الاكتئاب، وتقلبات حادة في المزاج عند محاولة تقليل الجرعة أو الإقلاع.

بل إن دراسة جديدة واسعة النطاق كشفت أن تقنين مخدر الحشيش ارتبط بزيادة ملحوظة في حالات الإدمان عليه، وهو ما يتعارض تمامًا مع مزاعم مروّجي التشريع.

كما بدأ الرأي العام الأمريكي يشهد تحولًا ملحوظًا في نظرته إلى الحشيش المخدر. فقد أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة “غالوب” أن عددًا متزايدًا من المواطنين – حتى في ولاية نيويورك المعروفة بتوجهاتها الليبرالية المتحررة – يشعرون أن تقنين الحشيش أسهم في تدهور جودة حياتهم بدلاً من تحسينها.

ومع أن العديد من الأمريكيين ما زالوا يؤيدون تقنين الحشيش، فإن الحقائق العلمية الناشئة تدق ناقوس الخطر، تمامًا كما استغرق الأمر عقودًا حتى أدرك العالم حقيقة أضرار التدخين.

في مارس الماضي، أفاد علماء في بوسطن أن مستخدمي الحشيش تحت سن الخمسين معرضون لخطر الإصابة بالنوبات القلبية بمعدل يزيد بستة أضعاف مقارنة بغير المستخدمين. وفي فبراير، وجد باحثون كنديون أن الأشخاص الذين أُدخلوا إلى المستشفى بسبب استخدام القنب كانوا أكثر عرضة للوفاة بمقدار ست مرات خلال السنوات الخمس التالية، وكانت حالات الانتحار والحوادث الصادمة في مقدمة أسباب الوفاة.

أما الضرر النفسي، فحدث ولا حرج.

فالحشيش يرتبط ارتباطًا وثيقًا باضطرابات نفسية خطيرة، وعلى رأسها الفصام (الشيزوفرينيا). وقد حذر البعض منذ سنوات من هذه العلاقة، رغم تعرضهم للانتقاد الحاد من المؤيدين للتقنين. ولكن، مع توالي الأبحاث، تتأكد هذه الحقيقة المؤلمة: الحشيش يؤدي إلى الهلاوس، التوهمات، ونوبات ذهانية حادة.

ففي أبريل الماضي، كشف باحثون من كيبيك (Quebec) عن آلية في الدماغ تفسر كيف يُسبب الحشيش الهلاوس. وقبل أسابيع، أعلن أطباء في كولورادو – أول ولاية أمريكية شرعت الحشيش – عن ارتفاع هائل في حالات الذهان بين الشباب خلال الـ 15 سنة الماضية، وكانت أغلب هذه الحالات مرتبطة بالاستخدام المكثف للحشيش.

إليكم الحقيقة:
• حتى للبالغين، لا يُعد القنب آمنًا، وخاصة عند تعاطيه يوميًا.
• أما بالنسبة للمراهقين، فالمخاطر مضاعفة، إذ أن أدمغتهم ما زالت في مرحلة النمو، مما يجعلهم أكثر عرضة لتأثيراته النفسية الضارة طويلة الأمد.
• الحشيش المخدر يسبب الإدمان، وغالبًا ما يستهان بذلك.
• كما أن قوته اليوم أصبحت أعلى بكثير مما كانت عليه قبل جيل مضى، ومشتقاته مثل الحلوى المغطاة بـ THC أصبحت السبب الأول لتسمم الأطفال.

وقد اعترفت صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي بهذا الواقع حين قالت:

“مع انتشار تقنين الماريجوانا، زاد استهلاك الناس لها، وبتركيزات أقوى من أي وقت مضى… وعدد متزايد – خصوصًا من المستخدمين بكثافة – يعانون من الإدمان، الذهان، وغيرها من الأضرار الصحية الخطيرة”.

والسبب الجوهري وراء هذه الأزمة هو أن السوق القانونية لا يمكنها منافسة السوق غير القانونية، التي تعرض المنتج بأسعار أقل دون قيود أو ضرائب. وبما أن المستخدمين الشرهين هم أكبر شريحة استهلاكية، فإنهم غالبًا ما يتجهون نحو الأرخص، سواء أكان قانونيًا أم لا.

بعد أكثر من عقد على تقنين الحشيش في كولورادو، يتضح أن “التجربة قد فشلت”. ولكن، بسبب تضارب المصالح الاقتصادية، وتغاضي وسائل الإعلام عن هذه الحقيقة، لم يصل وعي المجتمعات إلى المستوى المطلوب بعد.

لكن الحقيقة ستتضح في النهاية.

وفي هذه الأثناء، من واجبنا أن نوجّه رسالة واضحة لأبنائنا:
الحشيش ليس بريئًا… بل هو بوابة للإدمان والاضطرابات النفسية والعواقب الصحية الخطيرة.

صادر عن: الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات
د. موسى داوود الطريفي

زر الذهاب إلى الأعلى