ازدواجية المعايير في التعامل مع النقابات المهنية: وزارة الأشغال العامة والإسكان نموذجًا

ديرتنا- عمّان – كتب الجيولوجي خالد فياض الشوابكة نقيب الجيولوجيين الأردنيين، رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب
في بلدٍ يحتكم إلى الدستور، ويؤمن بمؤسسات الدولة، يُفترض أن تتعامل الوزارات مع النقابات المهنية بروح العدالة، وعلى مسافة واحدة من الجميع، دون تمييز أو تصنيفات مسبقة. إلا أن ما يجري في وزارة الأشغال العامة والإسكان – وتحديدًا في عهد معالي الوزير الحالي – يعكس واقعًا مغايرًا ومقلقًا، يستوجب التوقف عنده بجدية.
تجاهل منهجي للجيولوجيين
لأكثر من ثلاث سنوات، تقدّمت نقابة الجيولوجيين الأردنيين بطلبات رسمية ومتكررة للقاء معالي الوزير أو من يمثله، لبحث قضايا تتعلق بالدور الحيوي للجيولوجي في مشاريع البنية التحتية والانهيارات الأرضية، ومساهمات النقابة في الملفات الفنية ذات العلاقة. لكن جميع المحاولات قوبلت بصمتٍ غريب وتجاهلٍ ممنهج، يوحي وكأن النقابة – بكل ما تمثله – غير موجودة في خارطة العمل المؤسسي او قاموسس او اجندات الوزارة.
وإننا نؤكد أن هذا النمط من التصرفات، يتناقض بشكل صريح مع التوجيهات الملكية السامية التي تشدد في كل مناسبة على ضرورة الانفتاح والتواصل مع الجميع دون استثناء، والعمل بروح الفريق، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات الرسمية والنقابات المهنية. فالتجاهل المتعمد لممثلي مهنة وازنة هو إخلال بهذه التوجيهات العليا، وإساءة لمضامينها الوطنية الجامعة .
هذا السلوك لا يمكن تفسيره إلا على أنه قرار مقصود بإقصاء وتهميش الجيولوجيين، في الوقتٍ الذي تُفتح فيه الوزارة أبوابها على مصراعيها لنقابات أخرى، في مشهد استرضاء واضح، حيث لا تخلُ مناسبة من مشاركة كبار مسؤولي الوزارة فيها، وحتى في الجاهات والعطوات الخاصة بمنتسبي تلك النقابات ….
تمييز صريح وتهميش ممنهج
ما يُثير الاستغراب أكثر، هو أن معالي الوزير يكرّر في تصريحاته الحديث عن “فرص التدريب والتأهيل لبعض المهن”، بينما ترفض الوزارة تمامًا، ودون مبرر، أي طلب تقدّمت به نقابة الجيولوجيين لتدريب وتأهيل خريجيها ضمن مشاريعها، وكأن الجيولوجيين خارج معادلة التنمية الوطنية أو أنهم ليسوا من صلب المنظومة المهنية التي تنهض بالدولة.
هذا التمييز مرفوضًا وظيفيًا، بل يُلحق ضررًا مباشرًا بالمصلحة العامة، ويُقصي دورًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه في أي مشروع هندسي أو بنية تحتية.
الدور الحيوي للجيولوجي في المشاريع الوطنية
الجيولوجي هو من يدرس طبيعة التربة، وخصائص الصخور، والانزلاقات والانهيارات الأرضية، ويقيّم المخاطر الجيولوجية، ويسهم في ضمان سلامة الطرق والجسور والمنشآت. فكيف يمكن تنفيذ مشاريع كبرى دون دراسات جيولوجية متكاملة؟ ومن يتحمّل مسؤولية التصدعات والانهيارات السنوية؟ ومن قرر استبعاد هذه الكفاءات ومنعها من الوصول إلى فرص التدريب؟
تجاهل هذا الدور الحيوي هو اختلالٌ خطيرٌ في معايير العدالة المؤسسية، وسوء فهم لمعنى الشراكة المهنية ودور الجيولوجي، بل ويتجاوز ذلك إلى فشل إداري في قراءة المشهد المهني الوطني.
الجيولوجيون والطرق: دور مغيّب ونتائج كارثية
في مشاريع الطرق تحديدًا، يؤدي غياب الجيولوجي إلى نتائج كارثية، مثل:
الانهيارات المتكررة، الانزلاقات الأرضية، ، التشوهات الهيكلية في البنية التحتية.
كل هذه الظواهر ليست مصادفة، بل نتيجة مباشرة لغياب الجيولوجيين في مراحل الدراسة، والتصميم، والتنفيذ. فالدراسات الجيولوجية ضرورية لتحديد طبيعة التربة، واستقرارية المنحدرات، وأماكن الضعف الجيولوجي، وهي من تحدد إجراءات الوقاية وحماية الأرواح والممتلكات.
ورغم وضوح هذا الدور، إلا أن الوزارة لا تزال تُقصي الجيولوجيين عن مواقع القرار والمشاركة الفنية، إما عن جهل بأهميتهم أو تجاهل متعمد، وكلا الأمرين غير مقبولين.
دعوة لتصويب المسار: رسالة إلى دولة رئيس الوزراء
انطلاقًا من هذه الوقائع، فإننا نتوجه بنداء صريح إلى دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، لتصويب هذا المسار المختل، وإنهاء حالة التمييز التي تمارسها وزارة الأشغال العامة والإسكان ضد الجيولوجيين.
لقد أشرتُ شخصيًا يا دولة الرئيس، خلال لقائي بدولتكم ، إلى هذا الخلل، وبيّنتُ تجاهل معالي الوزير المتكرّر لمطالب النقابة ورفضه اللقاء بها، رغم عدالة مطالبها ومهنيتها.
كلمة أخيرة: الشراكة لا تُبنى بالانتقائية
نقابة الجيولوجيين لا تطلب معروفًا، ولا تبحث عن مكرمة، بل تطالب بحقوق مهنة أصيلة أسهمت في بناء الوطن، واستكشاف ثرواته، وتأمين بنيته الجيولوجية.
لن نقبل بالإقصاء، ولن نسكت عن حقوقنا، وسنواصل المطالبة بشراكة حقيقية مبنية على العدالة، لا المزاجية أو الانتقائية. فإما أن يُعاد الاعتبار لدور الجيولوجي، وإما أن يتحمّل القائمون على هذا التهميش وزر ما يرتكبونه أمام التاريخ، وأمام الأجيال، وأمام ضمير الدولة.