مقالات

أنا ما بنسحب”… كلمة بطل تختصر موقف وطن

ديرتنا – عمّان

معمر الحجاج

في وقتٍ اشتدت فيه النيران والتهمت الغابات والمنازل في بعض المناطق السورية، لم يتأخر الأردن كعادته في تلبية نداء الأشقاء، حيث برز الدور الكبير الذي لعبه الدفاع المدني الأردني، مدعومًا من سلاح الجو الملكي الأردني، في عمليات إطفاء الحرائق التي اجتاحت عددًا من المناطق الجبلية السورية. لقد أثبتت الأجهزة الأردنية، مرة أخرى، أن النخوة ليست شعارًا، بل ممارسة حقيقية تظهر في كل أزمة، خاصة حين يتعلق الأمر بأشقاء تجمعنا بهم روابط الدم والمصير والجوار. فقد كانت كوادر الدفاع المدني الأردني في طليعة المستجيبين، مجهّزين بكل ما يلزم من معدات وتجهيزات تخصصية، حيث عملوا جنبًا إلى جنب مع فرق الإنقاذ السورية في إطفاء الحرائق واحتواء النيران ومنع تمددها إلى المناطق السكنية، في ظروف صعبة وتضاريس معقدة. وفي المقابل، جاء دور سلاح الجو الملكي الأردني مكملًا ومحوريًا، من خلال تنفيذ عمليات إطفاء جوية عبر الطائرات المخصصة، والتي ساعدت بشكل كبير في إخماد النيران في المناطق التي يصعب الوصول إليها برًا. لقد كان التنسيق بين الدفاع المدني وسلاح الجو مثالًا على الجاهزية العالية والتكامل في أداء الواجب، داخل الحدود أو خارجها. وما قام به الأردن في هذه الأزمة ليس غريبًا، بل هو امتداد لتاريخ طويل من الوقوف مع الأشقاء في كل محنة. فالأردن لم يميّز يومًا بين عربي وعربي، ولم يتردد في إرسال المستشفيات الميدانية وفرق الإغاثة إلى العديد من الدول العربية والدول الصديقة والشقيقة، منها فلسطين، لبنان، العراق، ليبيا، تركيا، واليمن، وغيرها.

لكن كلمة “أنا ما بنسحب” التي قالها أحد ضباط الدفاع المدني الأردني وهو يرفض مغادرة موقع الحريق في سوريا، لم تكن وليدة اللحظة، بل هي كلمة أصيلة محفورة في تاريخ الأردنيين. فقبلها بسنوات طويلة، قالها أحد ضباط المدفعية الأردنية في معركة القدس عندما طُلب منه الانسحاب من موقعه، لكنه رفض، وأصر أن تُطلق المدفعية نيرانها على الهدف رغم أنه كان في موقع الهدف نفسه، قائلاً بشجاعة نادرة:الهدف موقعي … ارمي ”.لم يكن ذلك الموقف الوحيد، فقد تكررت هذه البطولات في ميادين فلسطين، حيث رفض كثير من الجنود الأردنيين الانسحاب من مواقعهم حتى استشهدوا فيها، مؤمنين أن القضايا العقائدية، وقضايا الأمة، لا يُغادرها الأردني إلا شهيدًا أو منتصرًا. من فلسطين إلى سوريا، ومن ساحات القتال إلى ميادين الإنقاذ، ظل صوت الأردني واحدًا لا يتغير: “أنا ما بنسحب”.

وهذه ليست مجرد عبارة، بل مبدأ متجذّر في عقيدة الجيش والشعب الأردني، يتكرر في كل محطة تحدٍ، وفي كل موقف يمس الأمة، خاصة حين تكون القضية عربية، إنسانية، عادلة. إن مشاركة الدفاع المدني الأردني وسلاح الجو في هذه العمليات الإنسانية ما هي إلا صورة حية من صور الفزعة الأردنية الأصيلة، التي اعتدنا رؤيتها كلما احتاجها أحد، وخاصة من الأشقاء العرب. وندعو الله في ختام هذا الموقف المشرف أن يحفظ الأردن، أرضًا وشعبًا وقيادةً وسماءً، وأن يبقى دائمًا عنوانًا للنخوة والفزعة والمروءة، كما عهدناه على مر السنين.
الأردن أولًا، والأردن أخيرًا… والأردن لا ينسحب

زر الذهاب إلى الأعلى