مقالات

القضاة تكتب: سأقف هناك ذات يوم… وأعرف ما شعروا به تمامًا

ديرتنا – عمّان كتبت رحاب القضاة

الزمن لا ينتظر أحدًا…
يمضي، يركض، يتجاوزنا ونحن نحسب أننا ما زلنا نملك متسعًا.
لكن هناك لحظات لا نُدرك وزنها إلا حين تقف على بوابات القلب،
تطرق برفق ثم تدخل لتُقيم في الذاكرة إلى الأبد.
لحظة تزويج ابنتي…
هي واحدة من تلك اللحظات،
وسأعيشها ذات يوم أعلم ذلك… وأشعر بها قبل أن تأتي.

حين يزوّج الأب ابنته…
يتظاهر بالقوة، يقف كرمز، كجبل…
لكنه من الداخل هشّ كقصيدة حُب قُرئت على عجل.
ابنته التي كان يُصفف شعرها في أول يوم مدرسة،
هي الآن تخرج من باب بيته بثوب أبيض إلى بيتٍ آخر وحياة أخرى.
في عينيه مزيج غريب من الفرح والحسرة، من الحب والخوف.
هل سيحبّها أحد كما أحبّها هو؟
هل سيصونها كما حفظها من برد الدنيا وحرّها؟
لا يقول كل هذا… فقط ينظر يبتسم ويخبّئ قلبه في جيب معطفه.

وحين يزوّج الأب ابنه…
لا يبكي لكنّه يتنفس ببطء، كأنه يُقنع نفسه أن الأمور بخير.
يراه يُمسك يد زوجته، يُضحكها، ويمضي كأنه لا شيء ينقصه…
لكنه يشعر بالنقص.
ليس غيرة بل حنين.
ابنه الذي كان يركض خلفه بلعبته،
أصبح رجلًا يركض نحو مسؤولية جديدة،
وعليه أن يكتفي من الحب بمنحه… ثم ينسحب.

في كل مرة سواء زوّج ابنته أو ابنه،
الأب لا يقدّم مجرد فرد من عائلته…
هو يقدّم جزءًا من قلبه، ويسلّمه للعالم.
هو يُودّع صوتهما في البيت، وضحكتهما في المطبخ،
ويتعلّم كيف يعانق الفراغ ويبتسم.

وأنا؟
أنا أعلم أنني سأصل إلى تلك اللحظة يومًا ما…
سأرتب فستان ابنتي،
وسأخفي ارتجاف يدي،
وأقول جملة واحدة فقط: الله يتمم لك على خير.
لكن في داخلي سيكون هنالك مئات الجمل التي لا تُقال
ودموع كثيرة لا مكان لها في الزفاف.

يا الله كم يصعب على القلب أن يربّي ليُفارق…
وأن يمنح الحب ليكتفي بمكان في الصفوف الخلفية من حياتهم.

ورغم ذلك…
سنفرح، وسنضحك، وسنرقص معهم،
وسنختبئ لنبكي وحدنا بعد أن ينتهي الزفاف
ونعود إلى البيت الذي لم يعُد كما كان.

هذه ليست مجرد مناسبات
هذه امتحانات للحنين، للصبر، للحبّ الصامت.

وأنا أكتب…
أشعر أنني أُراكم حبًا مؤجلاً لتلك اللحظة القادمة التى أعيشها مع من احبهم حتى لو لم يعرفونني
وكل يوم أقول للآباء والأمهات : استعدوا فكل لحظة مع أبنائكم هي قصة قد لا تتكرر.
وكلما رأيت أبًا يزوّج ابنته، أو أمًا تحضن ولدها في يوم زفافه،
أقول في قلبي: “أنا أيضًا… سأقف هناك ذات يوم وأعرف ما شعروا به تمامًا.”

زر الذهاب إلى الأعلى