اعلى الصفحةمقالات

هل ما زال لوزارات التنمية والتطوير الإداري جدوى في الأردن؟

ديرتنا- بقلم: معتز عبد القادر عساف-  على مدى العقود الماضية، شهد الأردن إنشاء وزارات وهيئات متعاقبة تحت مسميات مختلفة، مثل “وزارة تطوير القطاع العام” و “وزارة التنمية الإدارية”، وأحيانًا بوزير دولة كما هو الحال حاليًا. جميع هذه الكيانات بررت وجودها بهدف واحد: إصلاح القطاع العام وتطويره.

لكن بعد أكثر من نصف قرن من المحاولات المتكررة، يبرز سؤال مشروع: هل لهذه الوزارات جدوى حقيقية، أم أنها تحولت إلى عبء على الدولة وتسيء لسمعتها المؤسسية؟ ورغم كل الجهود والمبادرات، ما زالت معظم المؤشرات الدولية في مجالات الإدارة الحكومية والكفاءة التشغيلية ورضا المواطنين دون المستوى المأمول.

كما لا يزال المواطن عمومًا، والمستثمر على وجه الخصوص، غير راضٍ عن أداء القطاع العام. ولم تنجح هذه الوزارات في إحداث تحول جذري حقيقي، إذ اقتصر إنجازها على مشاريع شكلية أو استراتيجيات لم تُترجم إلى أثر ملموس. هناك عدة أسباب جوهرية وراء محدودية جدوى هذه الكيانات، من أبرزها:

1. غياب الرؤية الواضحة: تعاملت كل وزارة مع التطوير الإداري كمشروع منفصل عن السياسات الحكومية الشاملة، مما جعل عملها جزئيًا وغير مستدام. ورغم وجود “خارطة تحديث القطاع العام”، إلا أنها تبدو أقرب إلى أفكار عامة غير واضحة النتائج، مما يضعف قدرتها على توجيه العمل بفاعلية.

2. تبعثر الجهات وتداخل المسؤوليات: غياب الرؤية أدى إلى إنشاء كيانات متعددة، متشابهة في المضمون ومتنافسة في الصلاحيات. فعلى سبيل المثال، أُنشئت هيئة الخدمة والإدارة العامة لتحل محل ديوان الخدمة المدنية، إلا أنها لا تتحكم فعليًا في تطوير الخدمات، إذ تتولى وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة هذه المهمة، رغم أن دورها الجوهري تقني وداعم للهيئة وليس تنفيذ تطوير الخدمات.

والدليل على ذلك أن مراكز تطوير الخدمات الحكومية ما زالت تتبع الوزارة وليست تحت مظلة الهيئة.

3. غياب مؤشرات أداء واضحة: بقيت خطط الوزارات معتمدة على شعارات عامة مثل “تحسين الأداء” و”تعزيز الكفاءة” و “الريادة” دون تحديد مؤشرات أداء قياسية، قابلة للقياس ومرتبطة بالمؤشرات العالمية في الإدارة الحكومية.

4. تسييس التعيينات وضعف النزاهة: غالبًا ما شغلت المناصب القيادية في هذه الوزارات بناءً على اعتبارات سياسية أو شخصية أكثر من الكفاءة.

ورغم اعتماد منهجيات لاختيار القيادات، إلا أن تطبيقها كان محدودًا وغير شفاف، ما أضعف الثقة بها.

5. تشويه صورة القطاع العام: وجود وزارة معنية “بتطوير الأداء الحكومي” يوحي ضمنًا بأن الدولة تعترف بفشل قطاعها العام، ما يضر بصورة الأردن أمام المستثمرين والشركاء الدوليين والمواطنين. ماذا يمكن أن نتعلم من تجارب المنطقة؟

بالمقارنة مع السعودية والإمارات، نرى مقاربات أكثر فاعلية: ففي السعودية، تم دمج مسؤوليات التطوير ضمن برامج رؤية 2030 عبر جهات متعددة كهيئة كفاءة الإنفاق، وبرنامج التحول الوطني، ووزارة الموارد البشرية، دون خلق جهاز بيروقراطي إضافي.

أما في الإمارات، فقد أُوكلت مهمة تطوير الأداء إلى مكتب رئاسة الوزراء ضمن استراتيجية وطنية شاملة، مدعومة بجوائز للتميز وبرامج تدريبية لتأهيل القادة.

كما تم إنشاء وتمكين “الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية”، التي أدت دورًا قياديًا فاعلًا في حوكمة سياسات وإجراءات الموارد البشرية، مما أسهم في تصدّر الإمارات لمؤشرات التنافسية العالمية. ما الحل؟

الأردن لا يحتاج إلى وزارة مستقلة للتنمية الإدارية، بل إلى إلغاء هذه الوزارة ككيان مستقل، ودمج اختصاصاتها ضمن هيئة الخدمة والإدارة العامة، مع تمكين الهيئة من قيادة رؤية طموحة وواضحة لتطوير القطاع العام، وصياغة مؤشرات أداء وطنية مرتبطة بالرؤية والممارسات الدولية لقياس أثر السياسات والمشاريع بموضوعية.

كما ينبغي استثمار النجاحات الجزئية القائمة، مثل جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز الحكومي، وتوسيع نطاقها لتصبح أداة رئيسية للإصلاح والتحفيز. والأهم من ذلك، التوقف عن شيطنة القطاع العام وتصويره كفاشل، والانتقال إلى مقاربة بنّاءة تقوم على تحسين الأداء تدريجيًا، مع إبراز المنجزات والترويج لها. لقد أثبتت التجربة أن الحل لا يكمن في إنشاء وزارة إضافية، بل في إحداث تغيير حقيقي في الثقافة الإدارية وأدوات العمل الحكومية، مع وضوح أكبر في الحوكمة والمساءلة عن النتائج.

إن استمرار الوزارات بشكلها الحالي يعني استنزافًا للموارد، وإضرارًا بسمعة الإدارة العامة، وتعطيلًا لمسار الإصلاح. الأردن بحاجة إلى مراجعة جذرية لمقاربته لتطوير القطاع العام، مستلهمة من تجارب ناجحة في المنطقة، وقائمة على الشفافية، والكفاءة، وتحقيق نتائج حقيقية وملموسة.

زر الذهاب إلى الأعلى