الكساسبة تكتب: هل تنهض الأردن بصناعة مكونات السيارات؟

خاص لديرتنا نيوز – عمّان
إعداد الدكتورة ايمان عبد الوهاب الكساسبة / مركز اليرموك للدراسات والاستشارات
لا تزال التحديات الاقتصادية تواجه الأردن وتتمثل في ارتفاع معدلات البطالة وضعف النمو الصناعي والاقتصادي والاعتماد الكبير على الاستيراد في معظم القطاعات والفجوات التكنولوجية والاعتماد على الخبرة الأجنبية مما قد يعيق الابتكار والقدرة التنافسية على المدى الطويل ومع الحاجة الملحة لتحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل حقيقية ومستدامة تبرز فكرة استراتيجية قابلة للتطبيق وذات أثر تنموي كبير وهي إنشاء نواة لصناعة مكونات السيارات في الأردن
تقوم الفكرة على مبدأ بسيط لكنه فاعل أن يُشترط على أي شركة سيارات عالمية ترغب بتصدير أكثر من خمسمئة مركبة سنويًا إلى السوق الأردني أن تستورد جزءا من السيارة من مصانع داخل الأردن قد تكون هذه الأجزاء في البداية بسيطة مثل
المرايا الجانبية، مقابض الأبواب، الكراسي الداخلية، الأضوية …
أو أي مكون آخر يمكن تصنيعه محليا وفق معايير الجودة المطلوبة
التساؤل هنا لماذا هذا المقترح
وذلك لأنه يحمل في طياته عدة فوائد اقتصادية واستراتيجية (Economic and Strategic Benefits) يمكن تلخيصها فيما يلي تحفيز.
الاستثمار الصناعي المحلي والأجنبي يشهد اهتمامًا متزايدًا حيث تجد العديد من الشركات العالمية مصلحة مباشرة في إنشاء خطوط إنتاج داخل الأردن أو التعاون مع المصانع المحلية لتلبية احتياجاتها الصناعية.
وتُظهر الدراسات الحديثة حول تصنيع قطع غيار السيارات وجود تحولات جوهرية في صناعة السيارات العالمية تتأثر بشكل كبير بعوامل العولمة والتغيرات الإقليمية هذا يؤدي إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية وزيادة اندماج الشركات في سلاسل التوريد العالمية وفي وقتٍ تبرز فيه الأسواق الناشئة كلاعب رئيسي يكتسب أهمية متنامية في هذا القطاع
يساهم قطاع تصنيع قطع غيار السيارات في خلق فرص عمل جديدة وتشغيل الأيدي العاملة الأردنية لا سيما من خلال توفير وظائف فنية وتقنية في مجالات تُعد حديثة نسبياً على السوق المحلي. وتشير الدراسات (Platzer & Harrison, 2009) إلى أن هذه الصناعة تُحدث تأثيراً كبيراً في تعزيز التوظيف داخل الأسواق المحلية، مما يعزز من دورها كرافعة اقتصادية واجتماعية في دعم العمالة الوطنية
إدخال الأردن في سلاسل التوريد العالمية Global supply chains عبر تصدير أجزاء معتمدة تدخل في صناعة السيارات ما يعزز اسم الأردن كمصدر موثوق
نقل المعرفة والخبرة الصناعية حيث تحتك الكوادر المحلية مع شركات تمتلك تقنيات متقدمة ما يؤدي إلى تطوير المهارات والمواصفات ولضمان نجاح هذا التوجه يمكن للحكومة أن تتخذ عدة خطوات داعمة مثل منح حوافز جمركية للشركات الملتزمة بشراء الأجزاء من الأردن ومن الامثلة تلك التي شهدناها في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) (Russo et al., 2023.)..
إن إنشاء مناطق صناعية متخصصة أو حاضنات تكنولوجية لصناعة قطع الغيار يُسهم بشكل فعّال في دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال تطوير قدراتها الإنتاجية وتعزيز كفاءتها التنافسية. ويُعد مجمع الأعمال الهندسية التابع لشركة أجاوكوتا (Ajaokuta) في نيجيريا مثالاً بارزًا في هذا السياق حيث تحول إلى مركز محوري لإنتاج قطع الغيار في القارة الإفريقية بفضل ما يملكه من معدات متقدمة وكوادر فنية مؤهلة.
كما يُعد نموذج مفاهيمي) Conceptual A) الذي أطلق في المملكة العربية السعودية لتطوير تصنيع قطع الغيار الدفاعية ذات التعقيد المنخفض، نموذجًا متقدمًا يُركّز على نقل التكنولوجيا وتعزيز حاضنات الأعمال ويتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى توطين الصناعات العسكرية وزيادة مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني (Fallatah, 2018).
ان بناء الشراكات بين مؤسسات التعليم التقني وقطاعات الصناعة ضروري لتأهيل الكفاءات رغم تحديات كالتكامل التكنولوجي وتدريب القوى العاملة إذ تسهم هذه الشراكات في مواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل والصناعة ضرورية لتحسين جودة التعليم وملاءمته مما يعزز قابلية توظيف وملاءمة المهارات (TVET) the technical and vocational education and training (Njengele et al., 2024).
إننا لا ندعي أننا سنصبح دولة مصنعة للسيارات بين ليلة وضحاها لكن هذه البداية المدروسة يمكن أن تمهد الطريق نحو قطاع صناعي واعد تماما كما فعلت دول مثل تركيا والهند والمكسيك التي بدأت بتصنيع الأجزاء البسيطة قبل أن تنتقل إلى مراحل أكثر تقدما إنها فرصة حقيقية تستحق الدراسة الجادة من الجهات الرسمية وفرصة يمكن أن تتحول من فكرة على الورق إلى حجر أساس لصناعة وطنية تبني اقتصادا أقوى وأكثر استقلالا
فهل نملك الشجاعة لنبادر وهل نحسن استغلال هذه الفرصة
حتما وليس بالمستحيل تعميم هذه الفكرة مستقبلا على المستوردات اخرى.