في الظلّ الواضح للضوء.. تصفيقة واحدة تكشف كلّ شيء..رئيس الحكومة وحفل إفتتاح جرش 2025 مثال – فيديوهات

خاص لـ ديرتنا – عمّان مهرجان جرش للثقافة والفنون – كتبت رحاب القضاة / بعدسة مجيد عوادين
في مهرجانٍ يُقام على مدرّج الحكايات، وتحت سماء جرش التي تحفظ أصوات الغناء منذ آلاف السنين، كان رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان واقفًا هناك نائبًا عن جلالة الملك، لا بصفته الرسمية فقط، بل بشيء أكثر إنسانية، أكثر قربًا، أكثر صدقًا من البروتوكول.
كنتُ في الحفل، بين مئات الوجوه والأضواء والموسيقى.
لكنني لم أنظر إلى المسرح كثيرًا. كنت أتابع عينيه. نعم، عينيه.
ذلك الرجل الذي لا يتكلم كثيرًا، ولا يرفع صوته، لكنه يقول الكثير بتلك النظرات التي تقرأ الكلمات قبل أن تُقال، وتُصفّق لها قبل أن يفعل الجمهور.
كان يصفّق، نعم
لكنه لا يصفّق كأيّ مسؤولٍ يؤدي دوره. كان يصفّق فقط حين تصل الأغنية إلى تلك الكلمات التي تتحدث عن الوطن، عن الهاشميين، عن الأردنيين الذين يزرعون الأمل في تربةٍ صلبة ويُصرّون على الحصاد ولو تأخّر المطر. وحين غنّى عمر العبدلات للوعد، للوطن، للملك، شعرتُ وكأن التصفيقة خرجت من عمق قلبه لا من كفيه.
تفاعل، لا كما يفعل السياسيون عادة، بل كما يفعل مَن يرى نفسه في الكلمات، كأنه يقول لنفسه: “أنا على هذا الدرب… أنا هناك تمامًا حيث يجب أن أكون”.
لا أعلم ما الذي دار في رأسي حينها، سوى يقينٍ غريبٍ بأنّ هذا الرجل لا يصفّق للمناسبة، بل يصفّق لأنه يعرف أنه يمشي على خيطٍ رفيع من الثقة، بين ما يريده الملك، وما يحلم به الشعب، وما يحتمله الوطن من تعب وصبر وانتظار.
كان في وقفته شيء من الهيبة، وفي صمته شيء من الجدل، وفي تصفيقته شيء من الطمأنينة التي لا تُشترى.
تلك اللحظة لم تكن مجرّد مشهد عابر في حفل، بل مشهد نادر في السياسة: رجلٌ يُصغي للأغاني كما يُصغي للناس، ويرى في الفنّ خارطةً تذكّره لماذا هو في هذا الموقع، ولماذا عليه أن لا يخذل الذين يؤمنون بأن الوطن يجب أن يُدار بشغف، لا بملفّات مغلقة.
ربما لم ينتبه كثيرون، وربما ظنّ البعض أنها لحظة عادية، لكن قلّة منّا فقط تعرف أن بعض التصفيقات تقول ما تعجز عنه الكلمات.
وأنّ من يصفّق من قلبه، لا يُمكنه أن يخون النغمة.