مقالات

التعديلات الوزارية في الأردن: خطوة نحو إصلاح اقتصادي شامل أم استمرار في الجمود؟!

ديرتنا – عمّان

د.مصطفى التل

الأردن تواجه تحديات اقتصادية وإدارية متفاقمة تتطلب قرارات جذرية وإصلاحات شاملة في ظل حالة الركود الاقتصادي العالمي وتراجع الدعم الخارجي , النموذج الأردني الحالي يبدو أنه عاجز حتى اللحظة عن التكيّف مع المتغيرات، بل يسهم في تعميق الأزمات بدلاً من تجاوزها.

التعديلات الوزارية الأخيرة التي اقتصرت على إعادة تدوير نفس الشخصيات المنتمية للتيار الإداري والاقتصادي التقليدي الحكومي ونفس مدرسته الاقتصادية والدارية أثارت تساؤلات حول جدوى الاستمرار في هذا النهج بدون تغيير فكري أو هيكلي

الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي ووزارة المالية تظهر صورة قاتمة؛ فمعدل البطالة تجاوز 23% بين الشباب، وارتفع الدين العام إلى أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى عجز تجاري سنوي يقدر بحوالي 4 مليارات دولار. هذه المؤشرات تعكس واقعاً صعباً يتجلى في الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي يعاني منها المواطن الأردني يومياً.

المشكلات الأكثر خطورة هو الجمود الفكري في دوائر صنع القرار الحكومي ، حيث يفضّل المسؤولون الحلول المؤقتة مثل زيادة الضرائب وتقليص الدعم، دون معالجة جذور الهيكلة الاقتصادية المشوهة, نظرة علىالإحصاءات نجد أن 76% من كبار المسؤولين في المؤسسات الاقتصادية والإدارية ينتمون لمدارس فكرية موحدة، ما أدى إلى حالة من التكلّس الإداري وقلة الابتكار

تداعيات هذا النهج تظهر بوضوح على المستوى الميداني، مثل معدل نمو اقتصادي بنسبة 2.3%، أقل من معدل نمو السكان، في حين تتراجع الإنتاجية بنحو 1.8% سنوياً منذ عام 2015 وفقاً للبنك الدولي, كما يرتفع معدل الفقر إلى 24% من الأسر الأردنية، ويصل معدل البطالة بين الشباب إلى 50% في بعض المحافظات.

هذا الواقع لا يمكن معالجته بإجراءات ترقيعية , يحتاج الأردن إلى إصلاح التعليم الإداري على مستوى الإدارة العليا الحكومية عبر تبني مناهج جديدة تراعي التحديات الفعلية وتقدم حلولاً عملية مناسبة للواقع المحلي.

يجب أن تركز هذه البرامج على تطوير مهارات الكوادر الحكومية بالطرق العملية لا النظرية في الإدارة والاقتصاد لتكون أكثر قدرة على مواجهة الوضع الحالي.

الإصلاح أيضاً يتطلب تفكيك شبكات المصالح التي تسيطر على القطاعات الاستراتيجية وتطبيق قانون المنافسة بفعالية لدعم ظهور قوى اقتصادية جديدة

ينبغي على الحكومة تبني سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز الاستثمارات المحلية بجانب الأجنبية، مع تحسين بيئة الأعمال الوطنية وتبسيط الإجراءات الإدارية لمنح فرص متساوية للمستثمرين الوطنيين كما الأجانب

التركيز الأساسي يجب أن يكون على تطوير قطاعات الإنتاج الرئيسية مثل الزراعة والصناعة بدلاً من الاعتماد المفرط على قطاع الخدمات الذي يولد وظائف وهمية أقل استدامة.

في ظل الظروف الحالية، يصبح الانتقال من اقتصاد الاحتكار إلى اقتصاد قائم على التنافسية ضرورة لا بد منها, هذا التحول يتطلب إرادة سياسية جادة تستند إلى الشفافية وإشراك حقيقي للخبرات الوطنية مع دعم مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل عملي لا نظري , فالمطلوب هو وضع رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة للأردن ومستقبل أفضل للأجيال القادمة.

ويبقى السؤال: هل ستتمكن النخبة الحكومية من كسر دائرة الجمود الفكري قبل فوات الأوان؟ الإجابة تتطلب شجاعة سياسية حكومية مقترنة بدعم شعبي ومشاركة واسعة النطاق لتحقيق التغيير المنشود، الذي يعتمد على الابتكار وتجاوز الأساليب التقليدية النظرية لتعزيز الكفاءة وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية

زر الذهاب إلى الأعلى