مقالات

الحجاج يكتب: رحلة باريس … بين جوازٍ وهوية

ديرتنا – عمّان – كتب معمر الحجاج

في عام 2010، كنت أحد ضباط وحدة الأمن والحماية، وقد تشرفت في تلك الفترة بأن أكون ضابط رحلة متجهة من باريس. أتذكر ذلك اليوم جيدًا، فقد كانت رحلة عادية في ظاهرها، لكنها حملت لي موقفًا لن أنساه ما حييت.

كنت جالسًا في مقعدي على متن الطائرة، وإلى جانبي كانت تجلس عائلة صغيرة، اللهجة العراقية الواضحة في حديثهم جعلتني أبتسم بعفوية، فهي لهجة نعتز ونفتخر بها جميعًا. جلست بجانبي طفلتهم، لم يتجاوز عمرها الحادي عشر أو الثاني عشر، فبدأت أتحدث معها بلطف، ودار بيننا حديث بسيط مليء بالبراءة والعفوية.

سألتها مبتسمًا:
– “أنتِ عراقية؟”
فأجابتني بكل ثقة وبراءة:
– “لا، أنا أردنية. معي جواز الملك، جواز أردني. بابا وماما من العراق، بس أنا أردنية.”

توقفت لحظة أمام إجابة الطفلة الصغيرة. لم تكن مجرد كلمات عابرة من طفلة، بل حملت في طياتها الكثير من الشكر، والاعتزاز، والصدق. شعرت أن هذا ليس فقط كلام طفلة، بل هو ما تربّت عليه داخل بيتها، هو فكر الأهل، وتقديرهم للانتماء الذي منحهم فرصة وهوية جديدة.

ذلك الموقف ظل راسخًا في ذهني، ربما لأنه على الجانب الآخر، رأيت خلال سفرياتي حالات معاكسة تمامًا؛ أشخاصًا يتنكرون لأصولهم أو يستخفون بالهوية التي يحملونها. للأسف، قبل فترة شاهدت على أحد مواقع التواصل الاجتماعي صورةً لشخص يقوم بحركة مشينة بجواز سفر أردني، وكتب تعليقًا ساخرًا وكأن الجواز لا يساوي شيئًا، بل استخدمه في إهانة لا تليق لا بالبلد ولا بالإنسان.

شتّان بين تلك الطفلة الصغيرة التي اعتزت بانتمائها، وبين ذلك “الجاحد” الذي استهان بما يُفترض أنه رمز لهويته.

بين الموقفين، مساحة كبيرة للتفكير والمراجعة. أحيانًا كلمة صادقة من طفلة صغيرة تضعنا أمام مرآة أنفسنا أكثر مما يفعل الكبار.

الهوية ليست مجرد ورقة أو جواز، بل احترام، وولاء، وشكر لمن منحك مكانًا وانتماءً.
وفي زمن كثر فيه المنافقون، تبقى البراءة وحدها أصدق تعريف للانتماء.

اللهم احفظ الأردن أرضًا وسما وبحرًا، واحفظ كل أردني حرٍّ شريفٍ يحب وطنه ويعتز بانتمائه. واجعل هذا البلد دائم الأمن والأمان، رمزًا للكرامة والعزّة، وموطنًا لكل من عرف معنى الوفاء والانتماء.

الأردن أولاً… والأردن آخراً.

زر الذهاب إلى الأعلى