مقالات

د.الطراونة تكتب من العقبة في اليوم العالمي لكبار السن: كبار السن: هامات الزمن وقلوب تستحق العناية”لا يوم لهم… لأنهم كل الأيام”

ديرتنا – العقبة – كتبت د. ميسون الطراونة:

يصادف اليوم الأول من أكتوبر من كل عام اليوم العالمي لكبار السن، وهو مناسبة خصصتها الأمم المتحدة لتسليط الضوء على قضاياهم وحقوقهم، وتذكير المجتمعات بواجبها تجاه هذه الفئة العزيزة التي أفنت أعمارها في العطاء والتضحية. غير أن الاحتفاء بكبار السن لا ينبغي أن يُختصر في يومٍ واحد، بل هو التزامٌ إنساني وديني وأخلاقي مستمر، يرافقنا في كل لحظة من حياتنا.

فكبار السن هم ذاكرة الأمة وكنزها الحي، وهم الجذور التي تُثبّت شجرة المجتمع، والبركة التي تحلّ في البيوت، والدعاء الذي لا يُرد. ومن هنا تأتي أهمية أن نُعيد النظر في دورنا تجاههم، لا باعتبارهم فئة تحتاج إلى الرعاية فحسب، بل باعتبارهم قيمة إنسانية وروحية تستحق التقدير والاحتواء.

في حضرة الزمن، حيث تتكئ الأيام على أكتاف التجربة، يقف كبار السن شامخين كأشجارٍ عتيقةٍ نمت على ضفاف الحكمة، أوراقها الذكريات، وجذورها الصبر، وثمرها النصح والحنان. هم ليسوا مجرد أعمارٍ مضت، بل أرواحٌ نضجت، وقلوبٌ خَبِرت، وعقولٌ صقلتها الأيام.

مكانتهم في الإسلام

لقد أعلى الإسلام من شأن كبار السن، وجعل برّهم من أعظم القربات، واحترامهم من أسمى الأخلاق. قال الله تعالى:

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]

وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ:

“ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا” [رواه أبو داود والترمذي].

فهم بركةٌ في البيوت، ودعاؤهم حصنٌ من البلاء، ووجودهم نورٌ يضيء دروب الأبناء

الرعاية النفسية: عمقٌ إنساني وواجبٌ يومي

إن الاهتمام بكبار السن لا يقتصر على تلبية احتياجاتهم الجسدية من علاجٍ أو غذاء، بل يمتد إلى ما هو أعمق: الرعاية النفسية. فكثير منهم يواجهون مشاعر الوحدة بعد فقدان الأصدقاء أو الانفصال عن بيئة العمل، وقد يشعرون بأن دورهم في المجتمع قد تراجع.

التحديات النفسية

الوحدة والعزلة الاجتماعية.

القلق من المستقبل وفقدان الاستقلالية.

الإحساس بالتهميش أو ضعف القيمة.

الحزن والاكتئاب نتيجة فقدان شريك الحياة أو التقاعد.

دور الأسرة

الإصغاء لحديثهم ومنحهم وقتًا نوعيًا.

إشراكهم في القرارات الأسرية.

تذكيرهم بفضلهم ومكانتهم.

إشعارهم بأنهم ما زالوا جزءًا حيًا من النسيج الأسري.

دور المجتمع والمؤسسات

المؤسسات الصحية: توفير برامج دعم نفسي موازية للرعاية الطبية.

المراكز الاجتماعية: تنظيم أنشطة ترفيهية وثقافية تُشرك كبار السن.

المؤسسات الدينية: تعزيز مكانتهم من خلال الخطب والدروس.

وسائل الإعلام: إبراز قصصهم وتجاربهم كنماذج يُحتذى بها.

وقد قال النبي ﷺ:

“إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم” [رواه أبو داود].

وهذا الإكرام يشمل احترام مشاعرهم، وتقدير آرائهم، وإشعارهم بأنهم ما زالوا قادرين على العطاء.

واجب المجتمع والمؤسسات

إن رعاية كبار السن مسؤولية جماعية تتقاسمها الأسرة، والمجتمع، والمؤسسات الحكومية والخاصة.

توفير بيئة آمنة ومحفزة.

إنشاء برامج دعم نفسي واجتماعي.

تسهيل مشاركتهم في الحياة العامة.

تكريمهم علنًا وإبراز دورهم في بناء الأوطان.

في الختام

كبار السن ليسوا مجرد شريحة عمرية نحتفي بها في مناسبة عابرة، بل هم نبضٌ دائم في قلب المجتمع، وركنٌ راسخ في بنيانه. إن تخصيص يوم عالمي لتكريمهم هو لفتة جميلة، لكنه لا يُغني عن الواجب اليومي في رعايتهم، والاهتمام بهم، والاعتراف بفضلهم.

فلنُحسن إليهم في كل حين، لا لأنهم بلغوا من العمر عتيًّا، بل لأنهم بلغوا من الحكمة ما يستحق أن يُصغى إليه، ومن العطاء ما يستحق أن يُردّ

زر الذهاب إلى الأعلى