اضاءات

س و ص 18…الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

ديرتنا – عمّان

رياض غوشة

أمسك “س” مسبحته بعد خروجه من المسجد، متأثرًا بالخاطرة التي ذكرها الإمام بعد الصلاة. نوى أن يسبّح بالصلاة على النبي ﷺ طوال 13 دقيقة، وهي مسافة الطريق إلى منزله.

على الطريق، وفي فسحة من الأرض بين المباني، رأى مجموعة من الأغنام ترعى من بعض حشائش الأرض. وعندما اقترب منها، انتبه إلى الراعي، فتى في مقتبل العمر، يجلس على حجر ويمسك عصًا رفيعة يخط بها في التراب، ويردد بصوت جميل وهادئ:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
(الأحزاب: 56)

استمر “س” في طريقه، ثم حدّث نفسه: “ربما هذه رسالة لي.” فرجع باتجاه الفتى. وبالتزامن، خرج كلب متوسط الحجم من بين الأغنام، يركض وينبح باتجاه “س”، الذي توقف في مكانه مجفلًا. عندها، رفع الفتى “ص” يده، فتوقف الكلب فورًا، ثم جلس عندما أنزل الفتى يده.

سلّم “س” واستأذن الفتى قائلاً:
“عذرًا، سمعت تلاوتك العذبة وتكرارك لآية الصلاة على النبي ﷺ. أحسست أنك ملمّ باللغة وكلام القرآن، فقلت لعلّك تشرح لي: ما معنى الصلاة على النبي؟”
ابتسم الفتى “ص” ووجّه سؤالًا الى “س”:
“هل تحب النبي محمد ﷺ؟”
فأجاب “س” سريعًا: “طبعًا، هذا لا يحتاج لسؤال.”
تبسم “ص” وسأله: “لماذا تحبّه؟”
تمهّل “س” قليلًا ثم قال:
“لأنه هو من بلّغنا حقيقة وجودنا، وبذل عمره حتى تصلنا هذه الرسالة. هو الذي أرشدنا إلى الطريق الصحيح لنسعى للفوز برضى الله والجنة.”
أعاد “ص” السؤال: “لماذا تحبه؟”
هنا تغيّرت نظرة “س”، وأجاب:
“لأن نبينا محمد ﷺ كان رحيمًا بنا، يخاف علينا، ويدعو لنا، وعلّمنا ديننا بكل تفاصيله.”
ثم أعاد “ص” السؤال مرة ثالثة:
“لماذا تحب النبي ﷺ؟”
قال “س” بعد تأمل:
“لأنه أحبنا دون أن يرانا، ولأن حبه جزء من حبنا لله رب العالمين. ولأنه قدوتنا في كل شيء: الرحمة، الشجاعة، الصدق، العدل، التواضع، الوفاء، الصبر، الإحسان… في كيف نحب، و نسامح، و نعمل، و ننهض، و نبتسم رغم الألم.”

جلس الفتى “ص”، وأشار لـ “س” أن يجلس بجانبه، ثم سأله:
“هل تظن أن رسول الله يحبك؟”
فصمت “س” قليلاً، ثم قال:
“أتمنى ذلك!”
فقال له “ص”:
“ولماذا سيحبك؟”
نظر “س” إلى الأرض ثم رفع رأسه وقال:
“يحبني لأني من أمته، وقد شهدتُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.”
فقال له “ص”:
“ما هو أكثر شيء كان عزيزًا على النبي ﷺ لدرجة أنه سيحبك لأجله؟”
فأجاب “س” دون تردد:
“رسالته… أن أكون من أتباعه الذين يصدقونه قولًا وفعلاً.”
علّق “ص”:
“وخاصةً إذا كان هذا الاتباع نابعًا من الحب، والطاعة، والرضا.”

رنّ هاتف “س”، فإذا برسالة من زوجته:
“وينك؟ ليش تأخرت؟”
فرد برسالة سريعة: “5” أي خمس دقائق.

ثم التفت إلى الفتى الراعي وسأله:
“كل اللي حكينا فيه، شو علاقته بالصلاة على النبي؟”

عاد “ص” يرسم في التراب بعصاه وقال:
“بفضل من الله ورحمته، توقفت عند هذه الآية، وأعدت تلاوتها، فتوقفتَ أنتَ، ودار بيننا هذا الحديث من غير تخطيط.
هذا من فضل الله لنتواصل ونتفكر في حب رسول الله ﷺ.
صلاتنا عليه تُلين قلوبنا، وتقوّي عزيمتنا، وتزيد علمنا بسنته ﷺ، وتقربنا من طريقه.
أسأل الله أن نصل إلى مرتبة نعيش فيها كل خطوة ونحن نتخيله، إما مبتسمًا لنا، أو غير راضٍ عنّا، في ما نفكر، وننوي، ونفعل.”

رياض غوشه
14 اكتوبر 2025
FB: العودة للوطن – رياض غوشه
https://www.facebook.com/profile.php?id=100072044535795

Instagram: العودة للوطن
https://www.instagram.com/rydgwshh/

زر الذهاب إلى الأعلى