مقالات

العودة للوطن 93 الثغر المستباح

ديرتنا – عمّان

رياض غوشة

العودة للوطن 93 الثغر المستباح
1- التحدي

عقارب الساعة قاربت أن تلتقي وتتعانق عند رأس ميناء الساعة ، هو للمرة الرابعة يتثاءب، ينظر إلى الساعة ويكبس الزر الأحمر على الريموت ليطفئ شاشة التلفزيون ثم يقف ليعلن نهاية السهرة وينظر أبو غالب إلى زوجته التي لا تعطيه أي انتباه فيقول يللا لازم نروح ننام حتى نستطيع أن نصحو ا على صلاة الصبح، وهي تستمر أسيرة للهاتف تتابعه واصبع يدها مازال ينط على سطح الشاشة وبدون أن تنظر إليه قالت خلص انت روح وانا بلحقك بعد شوي.

تركها في مكانها وسار في خطى ثقيلة يسير في خط مستقيم إلى غرفة الأولاد ويفتح الباب عليهم بطريقة يتخيل بها نفسه ضابط شرطة ينقض على وكر الأوغاد، وكأن شيئاً لم يكن ، كل واحد منهم في سريره يحمل هاتفه وعيونه لاتفارق شاشته وعلى أذنيه سماعات الرأس، هو يعيد ما قاله لزوجته ويزيد جملة علشان تروحوا على المدرسة، يبدأ التململ في الأسرة وهو ينتظر حتى تأخذ الرؤوس مكانها على الوسائد وتغطي الاغطية كامل الجسد فيطفئ ضوء الغرفة ويغلق الباب. ينتهي من استخدام بيت الراحة ويلمع أسنانه ويخرج من جديد في الجولة التفقدية الأخيرة للمطبخ والنوافذ وباب الدار ويرفع نبرة صوته قليلا ليعطي لمسة من الجدية على ندائه لزوجته وإعلانه نهاية اليوم.

ما أن يرتفع صوت شخيره حتى يكون مثل صياح الديك معلنا بداية القيام الليلي فتضاء وجوه أهل البيت من انعكاس شاشات الهواتف الزرقاء ويظل الأمر كذلك حتى ساعات ما قبل الشروق.

بعد أدائه لصلاة الفجر يعد فنجان قهوته ويجلس في مكانه المفضل ومع أول رشفة يستدرك الهدوء الذي يخيم على أهل البيت الذين لم يستجب أي منهم لنداءاته لصلاة الصبح، ترجم انزعاجه من الأمر بلعن أبو التلفونات على ام الآي فون والآي باد وأخت الأندرويد، ثم عدل من جلسته ومد يده ليلتقط مصحف القرآن الأخضر لكن نفس أبو غالب الأمارة تغلبت على نفس أبو غالب اللوامة والتقط جهاز الهاتف الأسود، فهو فقط يريد وبسرعة أن يطمئن على الأخبار وربما هناك شيء مهم على جروب العائلة.

وفجأة ينتفض من مكانه على صوت زوجته تنادي أبو غاااااااااااااالب فيرد نعم ويهرول إلى غرفة النوم محاولا أن يضع نقطة وقوف للجمل المتواصلة المنهمرة عليه التي كلها تدور حول أنه ليس هناك وقت للمدارس وأنه زي كل مرة يلتهي بتلفونه و … و … و… وتدب الحركة في البيت وتعلو الأصوات من الذين ينتظرون دور الحمام والذين لايعرفون اين الفردة الأخرى للجربان ، وماهي الا فترة صراع بين عيون ابوغالب وعقارب الساعة التي تركض وكأنها تغيظ به مع إيقاع صوت ام غالب وهي تردد أنت السبب، حتى يزفر زفيراً طويلاً بعد أن أصبح الجميع بالسيارة التي ينظر إلى ساعتها ويحسب كم من الوقت المتاح قبل أن يرن الجرس.

تنتقل عيون أبوغالب بين السيارات الملتصقة ببعضها البعض تحيط به من كل مكان و المرآة التي يرى بها رؤوس أولاده مصوبة على شاشات الهاتف وعقارب الساعة المصرة على ألا تعطيه فرصة ، بينما عقله بدأ يعيش في عالم آخر، كيف أمضى أكثر من ساعة في عالم الهاتف والشبكة العنكبوتية التي التفت حوله وفصلته من الزمان والمكان الذي كان فيه.

عقله الهندسي رتب له الأمور وذاكرته التصويرية فتحت أمامه الشاشة فالموضوع بدأ مع موضوع أرسله صديقه سعيد أثار حنقه وغضبه فرد عليه كيف يسمح لنفسه أن يرسل ما يحقر به ويتهجم على علماء الدين ويستهتر ويستخف بهم وأهمية أن يتحقق سعيد من كل موضوع قبل إرساله. ثم تأتي ملاحظة صديقه عبد الحفيظ على معلومة قالتها دكتورة حولها أبو غالب إلى أصدقائه لشعوره بأهميتها، كتب عبد الحفيظ : يعني هاي الدكتورة من كل أطباء العالم عرفت ان العسل مع الماء الساخن يولد مادة سامة تسبب السرطان، طيب اذا كان العسل مع الشاي الساخن شو بيصير وكيف عرفت الدكتوره وشو مصادرها وما هي أبحاثها. الشعور بالإحباط جعله يخرج من تطبيق (شوفي) (whatsapp) وانتقل إلى تطبيق الاخبار.

أثار الموضوع الذي قامت بإعداده وكالة أخبار معتمدة اهتمام أبي غالب عن كيفية التجسس عبر الهواتف الخلوية والحواسيب سواء بين الدول أو على المواطنين وكيف أن التكنولوجيا ساعدت أجهزة الأمن بالتتبع والقبض على مخالفي القانون وكيف أن هذا الأمر أصبح علما وسلاحا تستخدمه الدول تحت مسمى الحرب الناعمة بالتأثير على عقول الناس وأفكارهم وذلك بتطويع دراسات وأبحاث علوم النفس الإنسانية، والجانب المظلم من الموضوع هو الجريمة المنظمة في العالم وحتى الهواة من (الهاكرز) الذين يستطيعون الوصول إلى هذه الأجهزة الصغيرة ومما يجدونه عليها يستطيعون سرقة المعلومات والأموال وبعض الاحيان الابتزاز وخصوصا إذا استطاعوا التحكم واستخدام الكاميرا والميكروفون على جهاز الهاتف.

خطورة الموضوع رفعت حماس أبو غالب بالبحث أكثر مع ازدياد نبضات قلبه الخائف وفعّل رابطاً على إحدى صفحات البحث ليأخذه إلى تطبيق صيني مشهور وحتى يصل إلى مايريده عليه أن ينزل التطبيق على هاتفه وملء بياناته وعندما فتحه ليكتشف محتواه رأى ما رأى مما رفع نسبة الأدرينالين في عروقه وكل ما يفكر به عائلته وما يشاهدونه على هواتفهم وأحس بثقل المسؤولية وكيف أن بيته مستباح وهو عاجز أن يفعل شيئا.

صوت إغلاق باب السيارة أخرجه من صالة عرض فيلم ماحدث معه صباح اليوم وأشار بيده مودعا أولاده المتجهين إلى باب المدرسة، وفي عقله جملة واحدة : يجب أن أجد الحل اليوم!

يتبع في العودة للوطن 94

رياض غوشه
4 أكتوبر 2022

فيسبوك : رياض غوشه – العودة للوطن

زر الذهاب إلى الأعلى