ما هي تقنيّة Deep Fake، التي تسعى القوات الخاصة الأمريكية لتوظيفها؟

ديرتنا-واشنطن- نشر موقع «ذا إنترسبت» تقريرا للصحافي سام بيدل، يقول إنَّ قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، المسؤولة عن العمليات العسكرية الأكثر سرية في البلاد؛ تتأهب لإطلاق حملات دعائية، وخداعية عبر الإنترنت باستخدام مقاطع التزييف العميق (Deep fake)، وفقًا لتعاقدات فيدرالية اطلعت عليها «ذا إنترسبت».
وأوضح بيدل أن تلك الخطط، التي تصف أيضًا اختراق الأجهزة المتصلة بالإنترنت للتنصت من أجل تقييم استجابة السكان الأجانب للدعاية، تأتي في وقت يحتدم فيه نقاش عالمي مكثف حول حملات التضليل المتطورة تقنيًّا، وفعاليتها، وأخلاقيات استخدامها.
بينما تحذر الحكومة الأمريكية روتينيًّا من مخاطر تقنية التزييف العميق، وتعمل علنًا على بناء أدوات لمواجهتها، فإن الوثيقة الصادرة عن قيادة العمليات الخاصة (SOCOM)، تقدم مثالًا غير مسبوق تقريبًا للحكومة الأمريكية (أو أي حكومة) تشير صراحة إلى رغبتها في استخدام التكنولوجيا المثيرة للجدل بطريقة عدوانية.
القوات الخاصة والـ«Deep Fake»
جرى تحديد تطلعات الدعاية للجيل القادم من قيادة العمليات الخاصة في وثيقة المشتريات التي تسرد القدرات التي تسعى إليها في المستقبل القريب، وتطلب العروض من الأطراف الخارجية التي تعتقد أنها قادرة على بنائها.
قال كريس ميسيرول، رئيس مبادرة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة في معهد بروكينجز، لموقع «ذا إنترسبت»: «عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المضللة، لا ينبغي للبنتاجون مكافحة النار بالنار. ففي وقت تتزايد فيه الدعاية الرقمية عالميًّا، يجب على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لتعزيز الديمقراطية من خلال بناء الدعم للمفاهيم المشتركة للحقيقة والواقع. لكن تقنية التزييف العميق تفعل العكس. فمن خلال التشكيك في مصداقية كل المحتوى والمعلومات، سواء كانت حقيقية أو كاذبة، فإنها في النهاية تقوض أساس الديمقراطية نفسها».
وأضاف ميسيرول: «إذا كانت ستجرى الاستفادة من التزييف العميق في العمليات العسكرية والاستخبارية المستهدفة، فيجب أن يخضع استخدامها للمراجعة والإشراف».
وأشارت الوثيقة، التي نشرتها لأول مرة مديرية العلوم والتكنولوجيا في قيادة العمليات الخاصة عام 2020، إلى قائمة رغبات من ألعاب الجيل التالي للقوات الخاصة في القرن 21، وسلسلة من الأدوات المستقبلية التي ستساعد جنود النخبة في البلاد مساعدة أكثر فعالية؛ مثل مطاردة أهدافهم، وقتلهم باستخدام الليزر، والروبوتات، والصور المجسمة، وغيرها من الأجهزة المتطورة.
وأكد بيدل أن قيادة العمليات الخاصة أصدرت سرًّا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نسخة محدثة من قائمة رغباتها بوجود قسم جديد: التقنيات المتقدمة للاستخدام في عمليات دعم المعلومات العسكرية (MISO)، وهو تعبير ملطف للبنتاجون عن جهود الدعاية والخداع العالمية.
توضح الفقرة المضافة رغبة قيادة العمليات الخاصة في الحصول على وسائل جديدة، ومحسنة لتنفيذ عمليات التأثير، والخداع الرقمي، وتعطيل الاتصالات، وحملات التضليل على المستويين التكتيكي والتشغيلي. كما تسعى قيادة العمليات الخاصة إلى اقتناء قدرات الجيل التالي على جمع البيانات المتباينة من خلال تدفقات المعلومات العامة ومفتوحة المصدر مثل وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المحلية، وما إلى ذلك لتمكين عمليات دعم المعلومات العسكرية من صياغة العمليات، والتأثير فيها مباشرة.
عادة ما تعمل قيادة العمليات الخاصة في الخفاء، لكن سمعتها العامة وبصمتها العالمية تظهر بوضوح. وهي تتألف من وحدات النخبة من الجيش، ومشاة البحرية، والقوات البحرية، والقوات الجوية، وتقود العمليات العسكرية الأكثر حساسية في الدولة الأكثر قوة في العالم.
وبينما عُرف عن القوات الخاصة الأمريكية على نطاق واسع إنجازها عمليات معقدة مثل قتل أسامة بن لادن، فإن تاريخها يعج بالمهام السرية، والخداع، والتخريب، وحملات التعطيل. إن طموحات توظيف المعلومات المضللة من الجيل القادم ليست سوى جزء من تاريخ طويل وواسع من جهود الخداع من جانب الجيش الأمريكي وأجهزة المخابرات.
ولكن لم تستجب قيادة العمليات الخاصة، التي تستقبل العروض بشأن هذه القدرات حتى عام 2025، لطلب التعليق.
تاريخ طويل من العمليات العابرة للحدود
يؤكد بيدل أنه على الرغم من أن قيادة العمليات الخاصة نفذت منذ سنوات عمليات التأثير الخارجية، فقد خضعت حملات الخداع هذه للتدقيق مجددًا. ففي ديسمبر (كانون الأول)، أفاد موقع «ذا إنترسبت» أن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية أقنعت «تويتر»، في انتهاك لسياساته الداخلية، بالسماح لعمل شبكة من الحسابات الوهمية التي تنشر أخبارًا زائفة ذات دقة مشكوك فيها، منها الادعاء بأن الحكومة الإيرانية كانت تسرق أعضاء المدنيين الأفغان.
ومع أن الحملة لم تستخدم تقنية التزييف العميق، فقد وجد الباحثون أن مقاولي البنتاجون استخدموا الصور الرمزية التي أنشأها التعلم الآلي لمنح الحسابات المزيفة درجة من الواقعية.
تكشف «وثيقة القدرة» المحدَّثة عن أن قيادة قوات العمليات الخاصة ترغب في تعزيز جهود الخداع على الإنترنت باستخدام فيديوهات التزييف العميق من الجيل القادم، وهي طريقة فعالة لإنشاء مقاطع فيديو رقمية نابضة بالحياة باستخدام التعلم الآلي. تضيف الوثيقة أن القوات الخاصة ستستخدم هذه اللقطات المزيفة لتوليد الرسائل والتأثير في العمليات عبر القنوات غير التقليدية.
ويشير بيدل إلى أنَّه في حين أن تقنية التزييف العميق ظلت إلى حد كبير مصدرًا للترفيه والمواد الإباحية، فإن إمكانية توظيفها في أنشطة خطرة أمر حقيقي. ففي بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأ تداول صورة مزيفة رديئة عن أوامر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للقوات بالاستسلام على قنوات التواصل الاجتماعي. وبغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية، لم يُتطرق إلى شرعية عمليات التزييف العميق العسكرية في النزاع، والتي تظل سؤالًا مفتوحًا، في وثيقة قيادة العمليات الخاصة.
كما هو الحال مع حملات التضليل الحكومية الأجنبية، أمضت الولايات المتحدة السنوات العديدة الماضية في التحذير من التهديد القوي للأمن القومي الذي يمثله التزييف العميق. تحذر السلطات الحكومية بانتظام من أن استخدام تقنية التزييف العميق للخداع المتعمد يمكن أن يكون له تأثير مزعزع لاستقرار السكان المدنيين المعرضين لها.
ومع ذلك، فعلى المستوى الفيدرالي، دار نقاش حول الخطر الذي قد تشكله تقنية التزييف العميق المصنوعة في الخارج على الولايات المتحدة، وليس العكس. وتظهر التعاقدات المشار إليها سابقًا أن قيادة العمليات الخاصة سعت إلى اقتناء تقنيات لاكتشاف حملات الإنترنت المزيفة، وهو تكتيك تريد الآن إطلاقه من نفسها.
ربما يكون القسم التالي مثيرًا للاستفزاز أكثر، الذي يشير إلى أن قوات العمليات الخاصة ترغب في ضبط دعايتها الهجومية بدقة على ما يبدو من خلال التجسس على الجمهور المستهدف عبر أجهزتهم المتصلة بالإنترنت.
يُوصَف الأمر بأنه «قدرة الجيل التالي على السيطرة على أجهزة إنترنت الأشياء (loT) لجمع البيانات والمعلومات عن السكان المحليين لتفصيل الرسائل التي قد تكون شائعة ومقبولة من خلال غربلة البيانات بمجرد استلامها». وتؤكد الوثيقة أن القدرة على التنصت على أهداف الدعاية «ستمكن عمليات دعم المعلومات العسكرية من صياغة الرسائل التي قد يستقبلها السكان المحليون وترويجها بسهولة أكبر». وفي عام 2017، نشر موقع «ويكيليكس» ملفات مسروقة من الاستخبارات الأمريكية كشفت عن قدرة مماثلة تقريبًا لاختراق الأجهزة المنزلية.
ظهرت التكنولوجيا الكامنة وراء مقاطع الفيديو المزيفة لأول مرة في عام 2017، مدفوعة بمزيج من أجهزة الكمبيوتر الرخيصة والقوية والإنجازات البحثية في التعلم الآلي. عادةً ما تُنشأ مقاطع فيديو مزيفة عن طريق تغذية صور فرد إلى جهاز كمبيوتر، واستخدام التحليل المحوسب الناتج لإنشاء محاكاة واقعية للغاية لهذا الوجه على وجه آخر.
ويؤكد بيدل أنه بمجرد تدريب البرنامج بطريقة كافية، يمكن لمستخدمه إنتاج لقطات مصطنعة واقعية تجعل المستهدف يقول أو يفعل أي شيء تقريبًا. أدت سهولة استخدام التكنولوجيا وزيادة دقتها إلى إثارة مخاوف من عصر لم يعد بإمكان الجمهور العالمي فيه تصديق ما يراه بأم عينه.
ومع أن المنصات الاجتماعية الرئيسية مثل «فيسبوك» تملك قوانين ضد عمليات التزييف العميق، فإن تقنية التزييف العميق التي يعتزم البنتاجون استخدامها قد تضر بأمريكا.
قال ماكس ريزوتو، باحث التزييف العميق في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، لموقع «ذا إنترسبت»: «إذا كان الهدف بيئة إعلامية غير تقليدية، يمكنني أن أتخيل أن يصل التلاعب إلى حد بعيد قبل أن توقفه السلطة المحلية، فالقدرة على إلحاق الضرر بالمجتمع موجودة بالتأكيد».
جاء اهتمام قوات العمليات الخاصة في استخدام التزييف العميق بعد سنوات من القلق الدولي بشأن مقاطع الفيديو المزيفة والخداع الرقمي من الخصوم الدوليين، على الرغم من وجود دليل ضئيل على أن جهود روسيا للتأثير رقميًّا في انتخابات 2016 كان لها أي تأثير، فقد أعرب البنتاجون عن اهتمامه بمضاعفة قدراته الدعائية الرقمية، خشية أن يتخلف عن الركب.
وفي جلسة استماع للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في أبريل (نيسان) 2018، أكد الجنرال كينيث توفو من قيادة العمليات الخاصة لأعضاء مجلس الشيوخ المجتمعين أن القوات الخاصة الأمريكية تعمل على سد فجوة الدعاية.
قال: «لقد استثمرنا بكثافة إلى حد ما في مشغلي العمليات الدعائية لدينا، ونسعى إلى تطوير قدرات جديدة، لا سيما للتعامل في الفضاء الرقمي، وتحليل الوسائط الاجتماعية، ومجموعة متنوعة من الأدوات المختلفة التي قدمتها قيادة العمليات الخاصة، والتي تتيح لنا تقييم مساحة الوسائط الاجتماعية، وتقييم المجال السيبراني، والاطلاع على تحليل الاتجاهات، وإلى أين يتحرك الرأي العام، ثم كيفية التأثير المحتمل في تلك البيئة بمنتجاتنا».
وفي حين أن الدعاية العسكرية قديمة قدم الحرب نفسها، فقد نوقش التزييف العميق في كثير من الأحيان على أنه خطر تكنولوجي فريد من نوعه، حيث يشكل وجوده تهديدًا حضاريًّا.
قال السيناتور ماركو روبيو عن التزييف العميق في جلسة استماع للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ لعام 2018 لمناقشة ترشيح ويليام إيفانينا لإدارة المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن: «أعتقد أن هذه هي الموجة التالية من الهجمات ضد أمريكا والغرب الديمقراطي». ردًّا على ذلك، طمأن إيفانينا روبيو بأن مجتمع الاستخبارات الأمريكية يسعى إلى مواجهة تهديد التزييف العميق.