مقالات

رغم اليأس الذي أصاب الأردنيين، المشاركة واجبة

ديرتنا نيوز – عمان – نضال العضايلة

يبدي كثير من الأردنيين، الذين يعيش أغلبيتهم العظمى أسوأ ظروف معيشية، حيث الفقر والبطالة، عدم مبالاة اتجاه انتخابات مجلس النواب العشرين التي من المقرر إجراؤها في العاشر من أيلول المقبل، بسبب فقدانهم الثقة بالمجالس النيابية المتعاقبة، والذي يُفترض أن أعضاءه يمثلون الشعب، بينما يُتوقع أن يهيمن على أغلبية مقاعد المجلس المنتخب العديد من نواب لا صلة لهم بالشعب بعد أن يصبحوا نواباً وتنحرف بوصلتهم نحو مصالحهم الشخصية.

حال هؤلاء يقول إن الانتخابات لن تطعم أولادهم الخبز، وحتى لو ذهبوا وانتخبوا هل من سينتخبونهم سيفتحون لهم أبوابهم بعد نجاحهم؟، قلة منهم مَن يفعل ذلك، وأعتقد أن هؤلاء على خطأ لأن مشاركتهم في الإنتخابات ستعمل على التأسيس لعهد وواقع جديد مختلف عن السابق، وبالتالي يجب المساهمة به عبر المشاركة بعملية الاقتراع واختيار الأكفأ من المرشحين.

نعلم تماماً أن اليأس قد أصاب الأردنيين جراء تجاربهم مع المجالس النيابية المتلاحقة، وأن معظم أبناء الشعب الأردني قد فقدوا الأمل بوجود نواب يحسون بمعاناتهم، ويتلقفون همومهم، ويقفون إلى جانب مطالبهم المشروعة في مواجهة الفقر والبطالة وكثير من القضايا التي تهمهم.

ونعلم أن الكثير من النواب على مدى المجالس النيابية التي عاشها الأردن لم يكونوا عند حسن الظن، بل أن التصريحات والوعود والشعارات التي أطلقها هؤلاء النواب كانت هباءاً منثورا، ويعرف الشعب الأردني تماماً أن تجاربه مع هؤلاء النواب كانت فاشلة إلى درجة أن المجالس النيابية تلك قد فقدت بوصلتها لتتجه إلى منحى آخر غير الذي انتخبوا من أجله.

ولكن الشعب أيضاً يعلم أن أهمية المشاركة الانتخابية تكمن في أهمية شعورهم بمدى تأثير صوتهم الانتخابي في العملية الانتخابية، وكلما كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثيراً قوياً كلما أكد هذا التأثير أن المسيرة الديمقراطية تسير على نهج سليم وأن الإختيار هو المحدد الرئيسي لنوعية المجلس المنتخب، أي أن من يقرر هو الشعب وأن المرشح المحتمل أن يصبح نائباً عليه أن يدرك أن المرجعية هي الشعب وأن زمام أموره بيد من انتخبه.

وفي المحصلة فإن الصوت الانتخابي يستطيع أن يقلب الموازين السياسية إذا كان الإختيار سليم، وإلا فعدم المشاركة الانتخابية يعكس عدم ثقة الشعب في العملية الديمقراطية برمتها، وفي التزام النواب تجاهه.

الأردنيون الذين عانوا طويلاً من عدم إخلاص نوابهم وممثليهم، يعانون من مشاعر الإحباط التي تدفعهم إلى مشاعر عدم جدوى المشاركة في صنع القرار السياسي، لكونهم يدركون أن المشاركة الانتخابية لن تغير الواقع، ولن تحقق له متطلباته، فما العمل إذاً؟، وما هو السبيل إلى تغيير الواقع هذا؟.

الحل، هو، من أجل ضمان أفضل علاقة إيجابية بناءة ومؤثرة في المجلس المنتخب، ومن أجل توجيه ذلك المجلس نحو برامج تصب في خدمة جمهور الشعب، لابد من مشاركة أوسع في عملية التصويت من جهة وأنْ تتمَّ عملية الإختيار والإنتخاب وفق معايير دقيقة وقراءة متمعنة في طبيعة ممثلي المجلس المنتخب وفي توجهاتهم وبرامجهم من جهة أخرى.

إن وجود وعي سياسي وإجتماعي يتشكل تدريجيا داخل المجتمع الأردني وبما أن الانتخاب يعد أحد مظاهر المشاركة السياسية إلا أنه كفعل لا يكفي وحده لتحقيق ما يصبوا إليه الأردنيون، والذي يتطلب تحقيق مصفوفة من الشروط المؤسساتية والقانونية والثقافية والسياسية في المرشح الذي نريد أن نصوت له.

على كل مواطن أردني أن يعرف كيف يختار المرشح صاحب البرنامج الانتخابي الأجدى له، وأن يحدد أولوياته وفقاً لطموحاته ورؤيته الخاصة، وهو الأمر الذي يجب أن نحرص عليه بما يشكل ضغطاً على النائب بمسؤوليته الكاملة تجاه الأفراد وتجاه المجتمع، وتجاه الوطن كله.

علينا أن ندرك تماماً أن الأصل والأساس المتين لعملية الانتخابات النظيفة، هو عندما يتسابق جميع المرشحين لخدمة الناخب ورعاية مصالحه وتوفير الحياة الكريمة له، ولا يسعون إلا للتمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين وآمالهم، وهذا لا يأتى إلا عندما تكون عقلية جميع المرشحين عقلية تكامل لا عقلية تفاضل، وعقلية تعاون لا عقلية إقصاء وإستبعاد، وعقلية خدمة الناخبين لا ركوب ظهورهم، وعقلية الارتقاء بالناخبين لا عقلية الاستخفاف بهم والضحك على ذقونهم، وعقلية الناخب له حق المحاسبة، لا عقلية أنه مجرد رقم انتخابي لا قيمة له، والرقم يُحسب ولا يُحاسِب.

المطلوب اذاً أن ننتخب على أسس مدروسة وعلينا أن نقيم المرشحين ، على أسس برامجية وليس شخصية ولا يجب أن تكون مشاركة المرأة والشباب شكلية، فهم من يقع على عاتقهم يقع المشاركة الفاعلة والإنحياز للمرشحين أصحاب البرامج القابلة للتطبيق.

يجب أن تمنحنا الانتخابات فرصة إخضاع النواب للمساءلة من خلال تصويتهم ضد الفساد والمفسدين وضد القوانين والتشريعات الجائرة التي تمس المواطن وكذلك محاسبة المسؤولين الذين لا يقومون بواجبهم تجاه الوطن والمواطن، ورفع المعاناة عن 90% من أبناء الشعب والعمل على تحسين ظروف عيشهم من خلال ربط مصالح الناخبين بمصالح الحكومات، من هنا، يسهم الإختيار والإنتخاب الصحيح في تحقيق أهداف التنمية على المدى الطويل، إذ ترسخ دعائم الحكومات التي تستجيب لاحتياجات المواطن.

ولكني متشائم نوعاً ما على المستوى الاجتماعي، حيث التمسيح والتلحيس والتدليس شغال والمال الأسود، فهناك من يعيشون حالة سوق النخاسة، فهم يعرضون أنفسهم للبيع مع مظاهر الجوع الذي يفتك بهم، وهم على إستعداد لبيع أنفسهم وعائلاتهم لمن يدفع لهم ثمناً لأصواتهم، كل ذلك من أجل تأمين لقمة العيش الكريم لهم، ولكنها ستكون لقمة مجبولة بالذل والإهانة، لا بل هذا الذي يبيع صوته لن يستطيع أن يحاسب ذلك النائب لأن الجواب هو، “ما بيطلعلك تحكي انا اشتريتك”.

عدة أسباب تدفعنا للمشاركة في الانتخابات، أولها أن الانتخاب حق من الحقوق التي علينا أن نتمتع بها كأفراد في المجتمع، بمختلف فئاته، ثانيها أنها المدخل العريض نحو الولوج لصنع مستقبل أردني مشرق، وثالثها أننا نعزز دورنا في إثراء المسيرة الديمقراطية، ويثريها ويميزها باستمرار، ورابعها أننا قادرون على فرز الغث من السمين بأن نختار النائب الذي يلبي طموحاتنا ويعزز قدرتنا على محاسبة الحكومات.

وأخيراً، نذكر أنفسنا بضرورة الحث على المشاركة الإيجابية في الانتخابات واختيار القوي الأمين، القوي في الدفاع عن مكتسباتنا الدستورية والأمين في حفظ حقوقنا والذود عنها، وأن يكون في الإعتبار أن المشاركة الانتخابية هي للتغيير وليس غير التغيير

زر الذهاب إلى الأعلى