مقالات

بعد قرار العدل الدولية: العنصرية والعسكرة المتنامية في المجتمع الإسرائيلي

ديرتنا نيوز – عمان – نضال العضايلة

أصدرت “محكمة العدل الدولية” في 19 يوليو/تموز 2024 رأيا استشاريا له تبعات كبيرة على حماية حقوق الإنسان في فلسطين في ظل الاحتلال الإسرائيلي القائم منذ 57 عاما، يرتكز الرأي على طلب قدمته “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى المحكمة للنظر في العواقب القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي حكم تاريخي، وجدت “محكمة العدل الدولية” أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات متعددة وخطيرة للقانون الدولي تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يشمل، للمرة الأولى، تحميل إسرائيل المسؤولية عن الفصل العنصري. ألقت المحكمة على عاتق جميع الدول والأمم المتحدة مسؤولية إنهاء هذه الانتهاكات للقانون الدولي، ويجب أن يكون الحكم ناقوس خطر جديدا للولايات المتحدة لتنهي سياستها الشنيعة المدافعة عن القمع الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ويدفع إلى إعادة تقييم شاملة في بلدان أخرى أيضا.

ولطالما تغنت اسرائيل بأنها واحة الديمقراطية فى منطقة الشرق الاوسط وأنها بقعة مضيئة فى محيط مظلم يعاني من الجهل والقهر والإستبداد والتمييز، لكن الحقيقة غير ذلك فالمجتمع اليهودي فى إسرائيل الذى يزهو بانه شعب الله المختار وأنه الجنس الآري الذى ميزه الله على سائر شعوب الارض لم تتوقف عنصريته على ما دونهم من شعوب الارض بل وصل الأمر الى التمييز والعنصرية المقيته بينهم وبين بعضهم فى ذات المجتمع الإسرائيلي الذى استشرت فيه العنصرية والطبيقة والتمييز منذ قيام دولته على تراب فلسطين التاريخيه عام 1948.

حتى الآن زادت تلك المظاهر واستفحلت مع قدوم موجات متتالية من هجرات اليهود من مختلف اسقاع الأرض من أوروبا وأمريكا وروسيا وأسيا الوسطى ومن أفريقيا ومن الدول العربيه من اليهود الذين زحفوا فى صورة موجات متتابعة الى ما يعرف قى عقيدتهم بأرض الميعاد التى تجمعهم بعد عقود من الشتات فى الارض على حد معتقداتهم وايمانهم بنصوصهم الدينيه.

جاء هؤلاء من هنا وهناك بثقافات ومعتقدات وعادات وموروثات مختلفه من بيئات متعددة ما يفرقها أكثر مما يجمعها رغم وحدة الهدف الأكبر بالنسبة لهم وهو إسرائيل الكبرى أرض الميعاد لكن هذا الهدف توارى رويداً رويداً مع بروز الطبقية وأستشراء العنصريه وعلو المصالح الفردية لكل فئة وطائفة أتت الى إسرائيل لكنها لم تتخلى عن أرثها وثقافتها الأصلية فالبعض رفع شعار الارض لنا والولاء للوطن الأم الذى قدموا منه.

إن العقلية العنصرية في الكيان الإسرائيلي التي تنفي صفة الأبارتهايد عنها وتقرر في “وثيقة الإستقلال” مبدأ المساواة وترفض أي تمييز على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الأصل الإثني، تتميز بكل هذه الصفات لأنها دولة لم تقم كي تكون دولة ديمقراطية لكل مواطنيها بل قامت ولا تزال على أساس أنها دولة لليهود.

إن مظاهر العنصرية التي تكشف عنها الصحف الإسرائيلية يومياً تبين أن الرفض الرسمي واللفظي للعنصرية لا يعفي المجتمع الإسرائيلي الذي قام على أساس دولة اليهود من أن تجد العنصرية طريقها إلى حياته بمظاهرها المختلفة بدءاً بالعرب مروراً باليهود الشرقيين وانتهاء بيهود الفالاشا الإثيوبيين.

ومن الظواهر التي أثرت في المجتمع الاسرائيلي ،الا ظهور قطاع إثني جديد(القطاع الإشكنازي الجديد) وهذا يتناقض مع الفكرة الصهيونية المركزية (بوطقة الصهر)، بالإضافة إلى تشكيل القطاع الإسرائيلي غير اليهودي الذي نتج عن فتح أبواب الهجرة لغير اليهود ومنحهم الجنسية وهذا يشير الى التحول العميق في الفكر الصهيوني خصوصا قضية صبغة الدولة باليهودية وله نتائج بعيدة المدى في كل المجالات وخاصة (قضية تعريف الدولة والعلاقة بين الدين والدولة).

العنصرية في كيان الإحتلال تشير في السياق الإسرائيلي إلى عنصرية اليهود الإسرائيليين ضد المواطنين العرب في إسرائيل، وعنصرية اليهود إزاء مختلف الطوائف الإثنية اليهودية (لا سيما ضد اليهود الإثيوبيين، والعنصرية التاريخية والحالية ضد اليهود المزراحيين واليهود الملونين)، وعنصرية المواطنين العرب في إسرائيل ضد يهود إسرائيل، وتوجد عنصرية اليهود الإسرائيليين ضد العرب المسلمين في إسرائيل في السياسات المؤسسية، والمواقف الشخصية، ووسائل الإعلام، والتعليم، وحقوق الهجرة، والسكن، والحياة الاجتماعية والسياسات القانونية.

وعلى مدى الأعوام الثلاثون من عملية «أوسلو» للسلام، نسفت إسرائيل احتمالات إقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي وفّر لها مساراً مصدّقاً عليه دولياً للحفاظ على سيادتها الاستيطانية الصهيونية، ومن خلال القيام بذلك، تُظهِر إسرائيل أمام العالم ما عرفه الفلسطينيون منذ زمن طويل، فهي ترغب في أرضٍ بلا شعب، وتسعى إلى البقاء كمصدرٍ وحيد للسلطة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.

أن إسرائيل “دولة الكيان المصطنع” تحكم عبر نظام الأبارتهايد، اعترافاً بالواقع أكثر منه اكتشافاً للواقع، ولم تعد تخفي نيّتها في أن تَبقى المالك الأوحد للسيادة وأن تمنح الفلسطينيين – في أفضل الأحوال – الفرصة لحكم أنفسهم في مناطق للحكم الذاتي، على غرار الوضع في محميات أميركا الشمالية والجنوبية، ومَواطن السُّود في جنوب أفريقيا.

يعد الفصل العنصري نتيجة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني الذي يسهّل اقتلاع الفلسطينيين وزرع المستوطنين، فضلاً عن النظام القانوني النموذجي لتعزيز استيلائه على الأرض، بالإضافة إلى أن القناعة الصهيونية بكون اليهود يمثلون عرقاً وشعباً واحداً، بغض النظر عن المنزع الديني أو الهوية، تقود إلى ثلاث نتائج طبيعية: العزلة الذاتية العنصرية،  والخصوصية العنصرية، والتفوّق العنصري، وفي الإطار القانوني للجنسية اليهودية يمنح الأشخاص اليهود في أي مكان في العالم حقوقاً أكثر من تلك التي يتمتع بها الفلسطينيون الذين يعود وجودهم إلى ما قبل قيام إسرائيل.

لا تمثل نزعة التفوّق اليهودي سمة فطرية يتفرّد بها الصقور من السياسيين، بل هي سمة جوهرية للمشروع الصهيوني تشمل الطيف السياسي الإسرائيلي بأسره، وأكبر  تعبير عنها قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما شدّد على أن إسرائيل هي «دولة قومية، ليس لكل مواطنيها، بل للشعب اليهودي فحسب»، إذاً لا يوجد قانون إسرائيلي يضمن المساواة، وفي العام 2018، أوضح الكنيست الإسرائيلي ذلك من خلال إقراره قانون الدولة القومية الذي أعلن أن لليهود دون سواهم الحق في تقرير المصير، كما أعلن عن أن الاستيطان اليهودي لكل الأراضي يعد التزاماً دستورياً.

إن الاضطلاع بالمسؤولية الدولية من أجل تفكيك الأبارتهايد الإسرائيلي إنما يعني ممارسة الضغوط اللازمة لتفكيكه، وفي غضون ذلك، سوف يواصل الفلسطينيون النضال الساعي إلى نيل الحرية كما فعلوا لأكثر من قرن، يحدوهم الأمل والإقتناع بقدرتهم على تعبيد الطريق نحو مستقبلٍ من التحرّر المشترك أفضل بأشواطٍ من كل ما حققته برامج السيادة الحصرية والسيطرة الدائمة.

زر الذهاب إلى الأعلى