لماذا المسجد الأقصى؟!

ديرتنا – عمّان
ريما العلي
لا شك أننا قبل السابع من أكتوبر من العام المنصرم كنا قاب قوسين أو أدنى من أن يُمحى ذكر المسجد الأقصى في أذهان وعقول ومشاعرالكثيرين من أبناء الشعوب العربية خاصة بين أبناء الجيل الذي لم يشهد أي حدث كبير أو مهم يتعلق بالمسجد الأقصى كانتفاضة الأقصى المبارك التي بدأت باقتحام شارون للمسجد في عام 2000 م في ظل حالة عامة من الإنكسار النفسي والسياسي واليأس والتسليم بالأمر الواقع الذي فُرض علينا خاصة بعد أحداث الإنقسام السياسي بين غزة والضفة والذي عززه الإنقسام الجغرافي أو بالأحرى البعد الجغرافي الذي فُرض في عام 1967، و لا شك أن لهذا الإنكسار أو اليأس أسبابا كثيرة جدا ومترابطة ومعقدة منها السياسي والإقتصادي وحتى الإجتماعي. ومنذ عام 2000 إلى الأن بتنا نسمع الكثير عن إجراءات وإقتحامات وتهديدات متواصلة خاصة في فترة الأعياد في كل سنة. حتى بتنا نسمع أكثر وأكثر عما يُسمى بالبقرات المقدسة وذبحها وعلاقتها بالمسجد الأقصى وأنها من أهم الطقوس التي كانت مؤجلة إلى حين إنضاج المخطط الخاص المسجد الأقصى تحديدا وبفلسطين بشكل عام وكان من أهم الركائز التي إنطلق منها الإحتلال الإسرائيلي في إتمام ما يرمون إليه هو فصل المسجد الأقصى عن باقي جغرافيا فلسطين كخطوة أولية، ثم كسر هيبة هذا المسجد وقدسيته في نفوس وعقول وأذهان المسلمين وإثبات مُلكيته من خلال الكثير من الطرق ومن أهمها أن من بناه هو سيدنا سليمان عليه السلام، وكأن سيدنا سليمان ملكهم، ومع بداية طوفان الأقصى ظهر طوفان اّخر ومن نوع اّخر في عقول وأذهان الكثيرين، طوفان فكري يحمل الكثيرمن الأسئلة التي لا جواب شافيا لها منها أسئلة عقائدية وإنسانية وإجتماعية وتاريخية، مما حمل الكثيرين على البحث والتساؤل والعودة للتاريخ وتمحيصه وتإعادة النظر فيه، وقد يصل الكثيرين إلى أجوبة عن تلك التساؤلات، وقد تكون الإجابات منطقية ومُسلم بها ومتداولة إلى حد بعيد، لكن لا تأثير لها في القلب ولا تشفي الصدر, لأن الجواب بحد ذاته غير قاطع ويفجر الكثير من الأسئلة والتناقضات. وإنّ أحد أهم هذه الأسئلة التي يتم تداولها كثيرا خاصة بين أبناء الجيل الحديث لماذا المسجد الأقصىى؟ وما هي قدسيته التي من أجلها ينفجر طوفان بحجم طوفان الأقصى و يقضى الألاف من الشهداء في سبيله؟، هو ليس إلا مسجداً كغيره من المساجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن 18. (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) البقرة 115. وفي المقابل فإن الإحتلال الإسرائيلي يعتبره أيضا مكانا مقدسا ويسعى لهدمه وبناء هيكل سليمان على أنقاضه، وقد وقعوا في شبهة قدسية مكان المسجد بإحداثياته وموقعه وليس المسجد بحد ذاته.
ومن أكثرالأجابات تداولا على هذا السؤال، لماذا المسجد الأقصى؟ هو أنه مَسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولا شك في ذلك فهذا القول هو قول الله تعالى فيه (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء (1). وفي سياق حديثنا لا بد من تصحيح أن السمجد الأقصى أولى القبلتين وليس ثالث الحرمين الشريفين فالمساجد الحرام هي إثنان فقط المسجد الحرام والمسجد النبوي ولا ثالث لهما (إبن عثيمين رحمه الله)، وسنتطرق لهذا في السياق . وهنا قد يسأل سائل أو مُشكك أو مُغرض فيقول إذا كانت قدسيته لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أُسري به إليه وصلى فيه، فالرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى أماكن كثيرة وصلى في أماكن كثيرة لكنها ليست مقدسه، فهذا دليل على أن قدسية المسجد ليست بسبب إسراء الله إليه أو صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام فيه، إذن من أين له هذه القدسية؟، قد يجيب أخر أنه مسجدٌ كرمه الله تعالى بعد المسجد الحرام بذكراسمه في القراّن الكريم وهذا دليل قدسيته. فالجواب على هذا القول أن فرعون عدو الله والشيطان الفاسق عن أمر الله ذُكرا أيضا بالقراّن الكريم وهما ليسا بمقدسين قطعا، إذن لماذا المسجد الأقصى؟
قبل الحديث عن أصل قدسية المسجد الأقصى لا بد من التعريف به ككيان وبناء مستقل كمعرفة حدوده، وتاريخه، ومن بناه؟
أولا: المسجد الأقصى ليس المسجد القبلي فقط كبناء مستقل كما هو شائع وإنما المسجد الأقصى كلمة عامة تطلق على كامل الجغرافيا التي تبلغ مساحتها 188000 مترا، وتضم هذه المساحة العديد من المساجد ومنها مسجد قبة الصخرة ومسجد البراق والمسجد القبلي …الخ، ويحيط بكامل هذه المساحة سورٌ فيه 15 باب، منها 10 أبوابٍ مفتوحة و5 أخرى مغلقة، ومنها باب الأسباط وباب حِطة، العَتم، المغاربة, الناظر, الحديد, المطهرة، القطانين، السلسلة، والرحمة.
ثانيا: إختلف المؤرخون والعلماء على هويةِ من الذي بنى المسجد الأقصى؟ فهنالِك روايتين عن الرسول عليه الصلاة والسلام حيث أنه قيل للرسول عليه الصلاة والسلام ما هو أول مسجد بنى على الأرض قال الكعبة قالوا ثم أي؟ قال المسجد الأقصى بناه إبراهيم وبينهما 40 سنة. ورواية أخرى تقول بنفس القول إلا ان الذي بناه اّدم عليه السلام، وفي روايات أخرى غير مثبتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجن من بناه في عهد سيدنا سليمان عليه السلام، إلا أن الإجماع أن الخلاف قائم بين سيدنا إبراهيم وسيدنا أدم وأن سيدنا سليمان أعاد ترميمه وتوسعته.
وحقيقة إذا ما اعتبرنا أن قدسية المسجد ليست بسبب من بناه أو من مرً به أو صلى به أو سيطر عليه فهي ليست نقطة خلاف لأن القدسية خارج نطاق ذلك كله، أما إذا كان في النفس أن القدسية لسبب ما من هذه الأسباب فلا بد من نشوء خلاف وإختلاف قد يرقى إلى صراع على المُلكية والأحقية فيه، كما أن وجود أسباب مادية أو معنوية لقدسيته فقد تزول هذه القدسية بزوال تلك الأسباب أو تشويهها أو تحريفها وإخراجها عن معناها الحقيقي، فينشأ اللُبس والتشتت لذلك لا بد من التبين في هذا الأمر، لذلك عند الحديث عن إشكاليةٍ ما أو حدثٍ ما صار فيها لُبس لا بد من البحث أولاً والتدقيق والإستدلال بما هو ثابت لإثبات النتيجة وإستخدام المقاربة بين شيئين مختلفين بيهما مشترك ما، ومحاولة الربط بينهما من أصل ثابت، ومن هنا نبدأ بقول الله تعالى{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ..}البقرة 149، ويقول تعالى (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ) البقرة191، ويقول تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِى جَعَلْنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ) الحج 25، من المعلوم أن المسجد الحرام هو مسجد حرام مكانياَ أي أن هذا المسجد تحديدا إسمه وصفته أنه حرام وهذه الصفة التي ألزمها الله تعالى لهذا المسجد تقتضى ما بعد الإسم أو الصفة، أي أن إلزام المسجد ووصفه أنه حرام يقتضي أحكاما محددة ذكرها الله تعالى وخص فيها هذا المسجد كونه حرام, بمعنى أن هذا المسجد ولأنه حرام يقتضي أن لا نقاتل فيه وأن العاكف فيه والباد ( أي المصلين ليسوا بالضرورة بالصف الأول ) لهم نفس الأجر والثواب وهذا لا ينطبق على المساجد الأخرى، ولا يجوز الصيد ضمن حدوده وهكذا من أحكام كونه حرام، ولذلك وجب واقتضى تبيان حدوده حتى تُطبق الأحكام بوضوحٍ لا لُبس فيه، ووجب أيضاً وجود كينونة المسجد كبناء، والجدير بالذكر أن الكعبة المشرفة ومحيطها التي هي حرام تمتد بنصف قطر 87552 متراً، ومن هنا نلاحظ أن المسجد الحرام بقدسيته الألهية ألزم مساحة محددة بأحكام وتشريعات لا تنطبق على كامل الأرض بكونها حرام . إذن الله تعالى حدد تحديدًا واضحًا المكان الحرام وحديثنا هنا عن المكان وليس الزمان فبالنسبة للزمان هناك 4 أشهر حُرم أيضاً لها أحكام وتشريعات وفضل مختلف.
يقول تعالى(يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)المائدة 21، في هذه الأية الكريمة يأمر الله تعالى قوم سيدنا موسى بالدخول إلى الأرض المقدسة ويصفها له بأنها أرض مباركة وهذا يدل على أن هذه الأرض مباركة ومقدسة قبل دخول سيدنا موسى إليها، ومعلوم أيضا أن سيدنا سليمان وداوود عليهما السلام بُعثا بعد سيدنا موسى عليه السلام، ويقول الله تعالى عن سيدنا إبراهيم ولوط عليهما السلام (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)، وهذا يدل أيضا أن هذه الأرض مباركة حتى قبل سيدنا إبراهيم عليه السلام وأنها مباركة على مدى التاريخ ، وأما قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) الإسراء (1). فكان الوصف والتحديد من الله تعالى للبشر مكان هذه الأرض وعلامات مباركتها وقدسيتها حتى لا يلتبس الأمر على الناس ويدعيها المدًعون ولا يشوبها التزوير والخلط، والهاء في قوله تعالى باركنا حوله تعود على المسجد الأقصى، إذن مباركة الله تعالى لهذا المكان تقضتي وجود المسجد ككيان وبناء لأن بركة هذه الأرض ببركة المسجد وحوله لزاماً، كما أخبرنا الله تعالى، كما هو حال المسجد الحرام إذ يقتضي لزاما وجود كينونة إسمها مسجد في مكان مُحدد وحدود مُحددة حتى يصفه بأنه حرام .إذ إن البركة والقدسية من هبات الله تعالى للبشر وللأرض يهبها الله لمن يشاء فيقول الله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا) مريم 31 ، وهنا يُلزم الله تعالى صفة البركة بشخص عيسى عليه السلام النبي بذاته وبكينونته كونه مُباركا بركةً من الله، وفي تخصيص الله تعالى لنبي أو لأرض أو قوم بصفة ما أو بحال ما فهوبحد ذاته اصطفاء وتفضيلاً لجزءِ من كل، وعندما خص الله تعالى هذه الأرض بالبركة والقدسية لم يقتصر نفعها وبركتها لأصحاب الأرض فقط ، فبركة هذه الأرض للجميع، والجميع جميع البشر في مختلف أنحاء العالم فيقول الله تعالى (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء 71.
والعالمين هنا كقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء (107)، أي أن هذا النبي وما يحمله من كتاب ورسالة رحمةً لجميع أهل الأرض مؤمنين به أو غير مؤمنين به، فهم في ظِل أصحابه والمؤمنين به في أمانٍ وسلامٍ لا يُظلمون ولا يُجارعليهم بحكم الإلتزام بما جاء فيه من حكمةٍ وأحكامٍ ورحمة.
كذلك حال الأرض المباركة خيرها وبركتها وقدسيتها غير مقتصرة على أصحابها فعطاؤها للعالمين، والبركة بمعناها البسيط هي الكثرة والخير من كل شيء وفي كل شيء – وسنتحدث عن البركة ومعناها في حياتنا ولماذا لا نشعر بها في مقال منفصل إن شاء الله -، وعليه هل المسجد الأقصى خاصٌ بالمسلمينَ فقط أم للأصحاب الأرض فقط ؟ أم للجميع؟ ، يقول الله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) الحج 40.
في هذه الاّية الكريمة حدد الله تعالى بعض الأماكن أو البيوت التي يذكر اسم الله ويُتعبد فيها، فالصوامع هي بيوت الرهبان، والبيع هي الكنائس، والصلوات خاصةً باليهود أما المساجد هي قطعاً خاصة بالمسلمين، ويقول تعالى (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ)الحج 67) أي أن تخصيص المساجد هو حصراً على المسلمين كونها المكان الذي تقام به أهم شعائر الأسلام وهي الصلاة، وبذكرهِ تعالى للبيوت الأخرى حفظ الله تعالى بذلك حقوق أصحابها بأداء شعائرهم في أماكنهم التي لا يجوز لأحد إنكارها أوالتعدي عليها بدليل ذكرها وعدم إنكار وجودها، فهذا البناء المُحدد الشكل ضمن تلك المساحة المحددة الموقع سماه الله مسجد، أي حق لكل المسلمين وليس خاص بجهةٍ أو فئةٍ بعينها فهي بيوتٌ لله، فيقول تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن 18، فالمساجد ليست مُلكا لأحد، وحال مساجد الله كحال أنبياء الله فجميع البشرية بغض النظرعن مكانها مدعوة لتؤمن بهم جميعاً، وبالعودة لأهم ما حدث في المسجد الأقصى وهوحادثة الأسراء والمعراج فقد حدثنا النبي صلي الله عليه وسلم أن البراق حمله من المسجد الحرام وسُري به إلى المسجد الأقصى ثم ربط البراق في المكان الذي هو الاّن مسجد البراق، وعَرج به جبريل عليه السلام الى السماء العلا، حيث كان قاب قوسين أو أدنى من الله جل وعَلا، وحيث سدرةِ المُنتهى والدرجاتِ العُلى فسّلم على ربهِ وملائكتهِ وأنبيائهِ، وعاد لنا بالبشرى والهدى التي فُرضت علينا من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍ وزكاة، ثم عاد به إلى المسجد الأقصى ومن هناك إلى المسجد الحرام. ما هي الحكمةً من المرورِ والصلاةِ في المسجد الأقصى؟، أليس بمقدور الله تعالى أن يَعرج به من المسجد الحرام مباشرة؟، إذن لا بد من التدبر جيداً في أفعال الله طالما أنه تعالى أخبرنا بها، فلا بُد من حكمةٍ أراد الله تعالى لنا أن نعرفها ونستنبطها، فيقول الله تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) الأنعام 38، ويقول تعالى (ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰٓ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) الإسراء 39، ما فرط الله تعالى في كتابه من شيء، وهذا الكتاب فيه الحكمة، فما الحكمة من الإسراءِ بنبي الله من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى والعودة به الي المسجد الأقصى ثم الى المسجد الحرام؟ لماذا هذا المسار تحديدا؟، أوييكأن الله تعالى يرسم لنا طريق الدرجات العلا والرضى والبشرى؟ ويكأن المسجد الحرام الذي هو رمز لتعظيم الله تعالى وعبادته أولاً ثم المسجد الأقصى الذي هو البوابة من الأرض الى السماء فلا معزل لهذا عن ذاك ولا يجوز فصلهما والإكتفاء بأحدهما، فالمسجدان وما يحملان من رمزيةٍ دينيةٍ وشعائرية لا يذود عنهما إلا من تعلق قلبه بالمسجدين ورب المسجدين الحرام والأقصى.