تحليل نتائج الانتخابات النيابية الأردنية: صعود الأحزاب الإسلامية والمستقلين وتغييرات ملحوظة في المشهد السياسي
ديرتنا – عمّان (خاص)
إعداد د ايمان عبدالوهاب الكساسبة / مركز اليرموك للدراسات والابحات – خاص بـ “ديرتنا
أظهرت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في الأردن تحولًا لافتًا في المشهد السياسي، مع صعود واضح للقوائم المحلية والمستقلين، وتقدم الأحزاب الإسلامية، لا سيما جبهة العمل الإسلامي. يعكس هذا التحول تزايد تأثير القوى السياسية وتراجع الحضور القوي للأحزاب القديمة. كما شهدت الانتخابات مشاركة ملحوظة للوجوه الجديدة، ما يبرز رغبة الناخبين في التغيير وتجديد الدماء السياسية. هذا التغير قد يفتح الباب أمام ديناميكيات جديدة داخل البرلمان، مع تحديات متوقعة في تشكيل التحالفات والسياسات الداخلية، وسط ضغوط خارجية متزايدة تهدف إلى تحييد النفوذ الإسلامي المتنامي.
جبهة العمل الإسلامي:
حصلت على 30 مقعدًا، منها 17 من القوائم الحزبية و7 من القوائم المحلية. هذا التوزيع يظهر أن الحزب يتمتع بتأثير حزبي قوي، لكن نفوذه في القوائم المحلية أقل نسبيًا، ما قد يعكس اعتمادهم أكثر عحزب الميثاق حصل على مجموع 22 مقعدًا، منها 15 من القوائم المحلية و4 من القوائم الحزبية. وهذا يعكس توازنًا بين المشاركة في القوائم المحلية والقوائم الحزبية، مما يدل على قوة الحزب في المناطق المحلية وقدرته على جذب دعم مجتمعي واسعلى القوة الحزبية المنظمة
حزب إرادة:
حصد 17 مقعدًا، منها 11 من القوائم المحلية و3 من القوائم الحزبية، مما يدل على توازن جيد بين القوائم المحلية والحزبية، وإن كان تأثيره أقوى في المستوى المحلي.
التأثير في الكوتا النسائية والمسيحية والشركسية:
جبهة العمل الإسلامي كان لها أكبر تأثير على الكوتا النسائية بحصولها على 4 مقاعد. كما حصلت على 2 من مقاعد نواب الشركس، مما يعكس تنوعًا في الاستراتيجيات الانتخابية للحزب واستهداف فئات مختلفة.
حزب الميثاق حصل على مقعد واحد في الكوتا النسائية ومقعد في الكوتا المسيحية، مما يظهر تركيزًا متوسطًا على تمثيل الأقليات في البرلمان.
حزب إرادة أيضًا حصل على مقعد في الكوتا النسائية ومقعد في الكوتا المسيحية، مما يعكس توجهًا مشابهًا لحزب الميثاق في الاهتمام بالفئات الأقل تمثيلًا
. التأثير في مناطق البادية:
تمكنت بعض الأحزاب مثل حزب الميثاق، حزب إرادة، وحزب الاتحاد من تحقيق تمثيل في مناطق البادية، التي تتميز بتركيبتها العشائرية التقليدية. يعكس هذا الفوز قدرة هذه الأحزاب على بناء تحالفات قوية واستقطاب أصوات من بيئات عشائرية متماسكة، مما يعزز من حضورها في المناطق ذات التأثير القبلي الكبير، ويشير إلى نجاحها في التكيف مع متطلبات الدوائر الانتخابية التي تشهد عادة تنافسًا شديدًا بين المرشحين المستقلين والكتل العشائرية..
استمرار النواب السابقين:
حزب الميثاق تمكن من الحفاظ على 15 نائبًا سابقًا من مجموع 22 مقعدًا، مما يظهر قدرته الكبيرة على الحفاظ على دعم قاعدته الانتخابية.
جبهة العمل الإسلامي حافظت على 9 نواب سابقين من مجموع 30، وهو ما يشير إلى قوة الحزب لكنه قد يعكس أيضًا تحديات في الحفاظ على كامل قاعدة النواب السابقين.
الأحزاب الأصغر مثل حزب إرادة وتقدم استطاعت الحفاظ على جزء من نوابها السابقين ولكن بأعداد أقل، مما يعكس أن المنافسة كانت أصعب لهذه الأحزاب في الانتخابات الحالية.
التوازن بين القوائم المحلية والحزبية:
حزب الميثاق وحزب إرادة أظهرا توازنًا جيدًا بين القوائم المحلية والحزبية، مع ميول أقوى نحو القوائم المحلية.
جبهة العمل الإسلامي كان لها تأثير أقوى في القوائم الحزبية مقارنة بالقوائم المحلية، ما قد يعكس استراتيجية حزبية موجهة نحو تعبئة الناخبين على المستوى الوطني.
تحليل نسبة المقاعد:
جبهة العمل الإسلامي كانت لها النسبة الأكبر من المقاعد (21.7%)، تليها حزب الميثاق بنسبة (15.9%) وحزب إرادة بنسبة (12.3%). هذا يوضح أن الأحزاب الكبيرة لا تزال تستحوذ على جزء كبير من المقاعد، مع وجود توازن بين تلك الأحزاب الثلاثة الرئيسية
الزيادة في نسبة النساء:
تشير البيانات إلى أن هناك زيادة في تمثيل النساء في البرلمان الحالي مقارنةً بالبرلمان
السابق حيث حصلن على 27 مقعد مقارنة بالمجلس السابق الذي كان التمثيل النسوي 19
تمثيل المسيحيين:
الزيادة في عدد المقاعد المخصصة للمسيحيين تعكس تحسنًا في التمثيل مقارنةً بالبرلمان السابق.
تمثيل أمناء الأحزاب:
يشير العدد المنخفض لأمناء الأحزاب الذين فازوا إلى أنهم لم يحققوا نجاحًا كبيرًا في الانتخابات الحالية، مما قد يعكس تغيرًا في ديناميات السياسة أو نتائج الحملات الانتخابية..
من خلال تحليل جدول النواب السابقين والجدد الذي يوضح توزيع المقاعد في البرلمان بين الأحزاب المختلفة وتوازن النواب السابقين مقابل النواب الجدد، يمكن استخلاص العديد من النتائج المتعلقة بديمومة الأحزاب وقوتها في البرلمان ومدى قدرتها على ضخ دماء جديدة:
ديمومة الحزب وقدرته على الحفاظ على نوابه السابقين:
حزب الميثاق:
يعتبر الحزب الأكثر حفاظًا على نوابه السابقين، حيث تمكن من إعادة 15 نائبًا سابقًا من أصل 22 مقعدًا. هذا يعكس قوة الحزب واستقراره السياسي، حيث استطاع الحفاظ على قاعدة انتخابية قوية ودعم متواصل للنواب السابقين.
جبهة العمل الإسلامي:
رغم أنه قدّم 21 نائبًا جديدًا من أصل 30 مقعدًا، إلا أنه حافظ على 9 نواب سابقين. هذه النتيجة تعكس قدرة الحزب على جذب دماء جديدة، لكنه أيضًا يحافظ على بعض من نخبه السابقة. يعدّ الحزب من القوى الكبرى في البرلمان مع تأثير واضح في ضخّ نواب جدد.
إرادة:
حصل على 18 مقعدًا، منهم 6 نواب سابقين و12 نائبًا جديدًا، مما يعكس قدرة الحزب على تجديد طاقته من خلال استقطاب وجوه جديدة مع الحفاظ على بعض الخبرات السابقة. يظهر أن الحزب يعمل على توازن بين الاستمرارية والتجديد.
المستقلون:
المستقلون تمكنوا من ضخ عدد كبير من النواب الجدد، حيث حصلوا على 30 نائبًا جديدًا من أصل 41 مقعدًا. هذا يشير إلى أن الناخبين كانوا يبحثون عن التغيير والتجديد بعيدًا عن الأحزاب التقليدية، وهو ما يُعزز من أهمية المستقلين في تشكيل البرلمان الجديد.
الاتحاد و تقدم:
كلا الحزبين ضم نسبة كبيرة من النواب الجدد مقارنة مع نواب سابقين، حيث حصل كل منهما على 4 نواب جدد من مجموع مقاعدهم. هذا يعكس رغبة هذه الأحزاب في تجديد صفوفها وتقديم وجوه جديدة للمشهد السياسي.
الأحزاب ذات التمثيل الضعيف أو الحديث في البرلمان:
الأحزاب الصغيرة مثل حزب “الأرض المباركة” و”تحالف نماء والعمل“:
هذه الأحزاب حصلت على عدد محدود جدًا من المقاعد، لكنها تمكنت من إدخال نواب جدد مثل “الأرض المباركة” الذي حصل على نائب جديد واحد. هذا يشير إلى ضعف التأثير الحزبي لهذه الكيانات ولكن مع إمكانية التوسع مستقبلاً.
توزيع مقاعد القائمة الحزبية
. توزيع مقاعد القائمة الحزبية في الانتخابات الأردنية يعكس التباين الديموغرافي والجغرافي بين محافظات المملكة، حيث أظهرت النتائج تركيزًا للأحزاب الكبيرة في المدن الرئيسية مثل عمان وإربد، اللتين حصلتا على نصيب الأسد من المقاعد. العاصمة عمان تصدرت القائمة بـ12 مقعدًا، مما يؤكد أهمية التركز السكاني والاقتصادي والسياسي فيها. إربد جاءت في المرتبة الثانية بـ7 مقاعد، ما يبرز ثقلها الديموغرافي والعشائري.
من جهة أخرى، أظهرت محافظات مثل الكرك والسلط ومادبا قوة تمثيل ملحوظة نتيجة الولاء العشائري الذي ساعد الأحزاب على تأمين عدد من المقاعد. في المقابل، بعض المناطق مثل معان والعقبة وعجلون شهدت ضعفًا في التمثيل الحزبي، ما يعكس الصعوبات التي تواجهها الأحزاب في الوصول إلى هذه المناطق ذات الطابع العشائري المحافظ.
بشكل عام، توزيع المقاعد يظهر توازناً بين الكثافة السكانية والتأثير العشائري، ويؤكد التحدي المستمر للأحزاب في تعزيز نفوذها بالمناطق البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى.
أسفرت الانتخابات الأردنية عن تحولات في المشهد السياسي الداخلي، مع صعود التيارات الإسلامية والمستقلين، ما ينذر بإعادة تشكيل التحالفات السياسية. خارجياً، قد تواجه الأردن ضغوطًا إقليمية مع تنامي نفوذ الإسلاميين، مما سيدفعه للحفاظ على توازن دقيق في سياسته الخارجية لتجنب أي تصعيد يؤثر على استقراره ودوره الإقليمي
السياسة الداخلية:
- زيادة التأثير الإسلامي في البرلمان:
- مع قوة جبهة العمل الإسلامي التي حققت 30 مقعدًا و3 من الداعمين لهم في البرلمان، وتزايد دعم الناخبين للحركات الإسلامية، يمكن أن نشهد تأثيرًا أكبر في القرارات المتعلقة بالتشريعات الدينية والاجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بالقيم الإسلامية أو القوانين الأسرية.
- قد يشمل ذلك محاولات لتمرير قوانين تحد من الحريات المدنية أو تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يتوافق مع الرؤية الإسلامية.
- صراع بين القوى التقليدية والقوى الجديدة:
- يمكن أن يؤدي تزايد عدد النواب الجدد والمستقلين إلى خلق ديناميكية جديدة داخل البرلمان. قد يكون هناك نوع من التصادم بين القوى التقليدية (مثل حزب الميثاق وأحزاب الوسط) وبين الحركات الإسلامية والمستقلين، الذين قد يكونون مدفوعين بأجندات إصلاحية أو شعبوية. هذا التصادم قد ينتج عنه تجاذب حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
-
- .
. السياسة الخارجية:
- الضغوط الدولية والإقليمية:
- نجاح الأحزاب الإسلامية في البرلمان قد يثير قلق بعض الدول المجاورة للأردن، مثل السعودية والإمارات، التي تبدي تحفظًا تجاه أي صعود للحركات الإسلامية السياسية في المنطقة. هذه الدول قد تمارس ضغوطًا دبلوماسية واقتصادية على الأردن من أجل تحييد النفوذ الإسلامي المتزايد في البرلمان ومنع تأثيره على السياسة الخارجية الأردنية.
- مصر وإسرائيل قد تكونان أيضًا من الدول التي تراقب هذا الوضع عن كثب، حيث أن نجاح التيارات الإسلامية في الأردن قد يشكل تحديًا لتوازنات المنطقة. قد تسعى إسرائيل للتأثير على القوى الدولية مثل الولايات المتحدة للضغط على الأردن لتحييد النفوذ الإسلامي حفاظًا على استقرار العلاقات الثنائية.
- العلاقة مع دول الجوار:
- قد يتعين على الأردن اتخاذ مواقف أكثر توازنًا مع دول مثل تركيا وقطر، التي قد تدعم التيارات الإسلامية في المنطقة. في المقابل، سيكون الأردن حذرًا في تعامله مع إيران نظرًا للعلاقات المعقدة بين الحركات الإسلامية في المنطقة ودور إيران في دعم بعض الحركات الإسلامية خارج إطار المحور الخليجي.
- يمكن أن تجد عمان نفسها مضطرة لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج للحصول على الدعم المالي والسياسي لموازنة الضغط الداخلي والخارجي. ومع ذلك، فإن العلاقة مع دول مثل الإمارات والسعودية قد تكون صعبة إذا استمرت الحركات الإسلامية في البرلمان الأردني في تحقيق مكاسب سياسية.
. التعامل مع الضغط الشعبي:
- التوقعات الشعبية من الأحزاب الإسلامية:
- مع تزايد الحضور الإسلامي والمستقلين في البرلمان، سيزداد الضغط الشعبي لتطبيق سياسات تتعلق بتحسين الاقتصاد والعدالة الاجتماعية. الأحزاب الإسلامية ستواجه تحديات كبيرة في تلبية تطلعات الجماهير المتزايدة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
- الاستقطاب الاجتماعي:
- هناك احتمال بزيادة الاستقطاب الاجتماعي بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية، خاصة إذا بدأت الأخيرة في السعي لفرض أجندات محافظة أو تغيير بعض القوانين المتعلقة بالحريات الشخصية. هذا قد يؤدي إلى توترات داخلية بين الفئات المختلفة في المجتمع الأردني.
في الختام، تعكس نتائج الانتخابات النيابية الأردنية مرحلة جديدة من التحولات السياسية، مع تزايد مشاركة الأحزاب الإسلامية والمستقلين وتراجع القوى التقليدية. هذه النتائج ستؤثر بلا شك على المشهد السياسي الداخلي والخارجي للأردن، مما يفرض تحديات جديدة على صعيد التوازنات الإقليمية والمحلية. ويبقى السؤال الأهم هو كيفية تعامل الأردن مع الضغوط الإقليمية والداخلية في ظل هذا التغير السياسي وتوجيه دفة البرلمان نحو استقرار أكثر وتوازن في صناعة القرار..