مقالات

الحكومةُ الإلكترونيّةُ ومأزقُ القراراتِ العشوائيّةِ: بينَ تهرّبِ شركاتِ التكنولوجيا وفشلِ السياساتِ

ديرتنا – عمّان – كتبت رحاب القضاة

لقد تحوَّلتِ الحكومةُ الإلكترونيّةُ من مشروعٍ طَموحٍ يُفترَضُ أن يُسهمَ في بناءِ مستقبلٍ رقميٍّ مُزدهرٍ إلى أزمةٍ تَعكسُ سوءَ التخطيطِ وضِيقَ الأُفُقِ.
مشكلاتُ الأنظمةِ المُتعطِّلةِ، القراراتُ غيرُ المدروسةِ برفعِ الأسعارِ، وهروبُ شركاتِ التكنولوجيا إلى الخارجِ بسببِ الضرائبِ ومشاكلِ التراخيصِ؛ جميعُها أعراضٌ لفشلٍ مُمنهَجٍ يَحتاجُ إلى مواجهةٍ جادّةٍ وإصلاحٍ جذريٍّ.

تهرُّبُ شركاتِ التكنولوجيا إلى الخارجِ – من المسؤول؟

إنَّ فرارَ شركاتِ التكنولوجيا من السوقِ المحليّةِ ليسَ مجرّدَ صُدفةٍ، بل هو نتيجةٌ مباشرةٌ لسياساتٍ خاطئةٍ وضُغوطٍ مُتعمَّدةٍ
منها
1. الضرائبُ المرهقةُ وغيرُ المدروسةِ
تَفرضُ الحكومةُ ضرائبَ باهِظةً على الشركاتِ الناشئةِ والتكنولوجيّةِ، وهي ضرائبٌ لا تُراعي طبيعةَ هذهِ الشركاتِ أو قدراتِها الماليّةِ.
هذهِ السياسةُ تخنقُ الابتكارَ وتدفعُ المستثمرينَ للبحثِ عن بيئاتٍ أكثرَ ترحيبًا كالإماراتِ والسعوديّةِ.

2. تعقيدُ التراخيصِ والإجراءاتِ البيروقراطيّةِ
تُواجِهُ الشركاتُ الناشئةُ عراقيلَ إداريّةً لا تنتهي، مع متطلباتٍ مُبالَغٍ فيها وغيابٍ للتنسيقِ بينَ الجهاتِ المعنيّةِ، ما يجعلُ ممارسةَ الأعمالِ تحديًا كبيرًا.

3. غيابُ الحوافزِ الحكوميّةِ
بدلًا من تقديمِ التسهيلاتِ اللازمةِ لجذبِ الشركاتِ التكنولوجيّةِ، تفرضُ الحكومةُ المزيدَ من الأعباءِ، ما يجعلُ البقاءَ في السوقِ المحليّةِ خيارًا غيرَ منطقيٍّ.

4. انعدامُ الاستقرارِ التشريعيِّ
القراراتُ المفاجئةُ وغيرُ المدروسةِ تَجعلُ من الصعبِ على الشركاتِ وضعَ خططٍ طويلةِ الأمدِ، مما يَزيدُ من مَخاطرِ الاستثمارِ في السوقِ المحليِّ.

الحكومةُ الإلكترونيّةُ – مشكلاتٌ بلا حلولٍ

في الوقتِ الذي يُفتَرضُ فيهِ أن تُسهِمَ الحكومةُ الإلكترونيّةُ في تطويرِ الخدماتِ، أصبحتْ عبئًا على المواطنينِ والشركاتِ على حدٍّ سواءٍ.
تَعطُّلُ الأنظمةِ في المحاكمِ والخدماتِ الحكوميّةِ
تعاني المحاكمُ والدوائرُ الحكوميّةُ من أعطالٍ مُتكرّرةٍ تعيقُ تقديمَ الخدماتِ، مما يُظهِرُ ضعفَ التخطيطِ وسوءَ التنفيذِ.

التحديثاتُ غيرُ المدروسةِ
بدلًا من تحسينِ الأداءِ، تُسبّبُ التحديثاتُ العشوائيّةُ تعطيلَ الأنظمةِ وزيادةَ معاناةِ المستخدمينَ، في ظلِّ غيابِ التدريبِ والتوجيهِ المُناسِبِ.

قراراتُ رفعِ الأسعارِ – ضربةٌ للمواطنِ والشركاتِ
رفعُ أسعارِ بطاقاتِ الاتصالاتِ بدينارٍ، بقرارٍ من وزيرٍ كانَ مسؤولًا سابقًا في شركاتِ الاتصالاتِ، يُثيرُ تساؤلاتٍ جِدِّيّةً حول تضاربِ المصالحِ وغيابِ الاهتمامِ بمصلحةِ المواطنِ والشركاتِ.
4. ضعفُ البنيةِ التحتيةِ الرقميّةِ
الضغطُ الكبيرُ على الأنظمةِ الإلكترونيّةِ يُظهِرُ فشلَ التخطيطِ لاستيعابِ أعدادِ المستخدمينَ المُتزايدةِ.

الآثارُ السلبيةُ على الاقتصادِ والمجتمعِ
هروبُ الاستثماراتِ وفقدانُ الوظائفِ
تهرُّبُ شركاتِ التكنولوجيا يُؤدّي إلى خسارةِ فُرصِ العملِ المحليّةِ وحرمانِ الاقتصادِ من عائداتٍ كانَ يُمكنُ استثمارُها في تحسينِ البنيةِ التحتيةِ.

زيادةُ الأعباءِ على المواطنينِ
المواطنُ يُواجِهُ أزماتٍ مُتكرّرةً، مِن خدماتٍ حكوميّةٍ مُتعثِّرةٍ إلى ارتفاعِ التكاليفِ الناتجِ عن قراراتٍ عشوائيّةٍ، مثلَ رفعِ أسعارِ بطاقاتِ الاتصالاتِ.

تراجُعُ ثقةِ المواطنِ في الحكومةِ
استمرارُ الفشلِ في إدارةِ الملفاتِ التكنولوجيّةِ والاقتصاديّةِ يُضعفُ ثقةَ المواطنِ في قدرةِ الحكومةِ على خدمتهِ.

حلولٌ عاجلةٌ لإصلاحِ الوضعِ

1. إعادةُ هيكلةِ الضرائبِ
• وضعُ نظامٍ ضريبيٍّ عادلٍ يشجّعُ الشركاتَ الناشئةَ ويُحفِّزُ الاستثمارَ، بدلاً من تضييقِ الخناقِ عليها.
2. تبسيطُ إجراءاتِ التراخيصِ
• توحيدُ الجهودِ الحكوميّةِ لتقليلِ البيروقراطيّةِ وتسهيلِ الحصولِ على التراخيصِ.
3. تقديمُ الحوافزِ للشركاتِ التكنولوجيّةِ
• توفيرُ تسهيلاتٍ ضريبيّةٍ وبرامجَ دعمٍ ماليٍّ لجذبِ الشركاتِ واستقطابِ الاستثمارِ.
4. تحسينُ البنيةِ التحتيةِ الرقميّةِ
• تطويرُ الأنظمةِ الإلكترونيّةِ لضمانِ كفاءتِها واستقرارِها، معَ تحسينِ شبكاتِ الإنترنتِ وخدماتِ الدعمِ الفنّيِّ.
5. تعزيزُ النزاهةِ والشفافيةِ
• وضعُ قوانينَ صارمةٍ لمنعِ تضاربِ المصالحِ بينَ المسؤولينَ والقطاعِ الخاصِّ، معَ تعزيزِ آلياتِ المُساءلةِ.
6. توفيرُ الاستقرارِ التشريعيِّ
• ضمانُ استقرارِ القوانينِ وإصدارُ تشريعاتٍ تدعمُ الخططَ طويلةَ الأمدِ للشركاتِ والمستثمرينَ.

رسالةٌ إلى المسؤولينَ :إلى صُنّاعِ القرارِ أين انتم عن الرؤى الملكية..؟

لقد أضعتمْ فُرَصًا ذهبيّةً لجعلِ بلادِنا مركزًا للتكنولوجيا والابتكارِ، لكنَّ سياساتِكم العشوائيّةَ وغيابَ الرؤيةِ دفعتِ الشركاتَ والمستثمرينَ للهروبِ. إنَّ المواطنَ لن يتحمّلَ المزيدَ من الفشلِ، والشركاتُ لن تبقى في بيئةٍ تَخنقُ الابتكارَ وتعاقبُ النجاحَ.

أنتم أمامَ اختبارٍ حقيقيٍّ؛ إمّا أن تَشرَعوا فورًا في إصلاحِ الأوضاعِ بقراراتٍ جريئةٍ تخدمُ الاقتصادَ والمجتمعَ، وإمّا أن تتحمّلوا مسؤوليّةَ انهيارِ قطاعِ التكنولوجيا وتَبِعاتِه.

الإصلاحُ يبدأُ الآن. فهل أنتم مستعدّون؟

*حقوق النشر محفوظة ..يُسمح بالنقل أو الإقتباس شريطة الإشارة للمصدر وإسم الكاتبة

زر الذهاب إلى الأعلى