مقالات
النَّظْرَةُ الْفَوْقِيَّةُ وَأُسْطُورَةُ مَدِيرِ الْمَكْتَبِ الَّذِي لَا يُرَى
ديرتنا – عمّان – كتبت رحاب القضاة
عِنْدَمَا تَدْخُلُ أَيَّ دَائِرَةٍ أَوْ مُؤَسَّسَةٍ، تَتَمَنَّى أَنْ تَلْقَى الْمَسْؤُولَ، تَحْمِلُ بَيْنَ يَدَيْكَ مَظْلَمَةً أَوْ مُقْتَرَحًا أَوْ حَتَّى كَلِمَةَ شُكْرٍ.
وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ، تَجِدُ نَفْسَكَ فِي مُوَاجَهَةِ بَعْضِ مُدِيرِي الْمَكَاتِبِ، ذَلِكَ الْكَائِنُ الْعَصِيُّ، الَّذِي يَبْدُو كَأَنَّهُ صُمِّمَ خِصِّيصًا لِيَكُونَ جِدَارًا مَانِعًا.
مَدِيرُ الْمَكْتَبِ: أُسْطُورَةُ الْعَصْرِ الْحَدِيثِ
فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، قَرَّرَ أَحَدُ الْمُوَاطِنِينَ زِيَارَةَ مَكْتَبِ أَحَدِ الْمَسْؤُولِينَ لِتَقْدِيمِ مُقْتَرَحٍ هَامٍّ.
وَلَكِنْ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَدْخُلُ، يَجِدُ مَدِيرَ الْمَكْتَبِ يُلَوِّحُ بِأُصْبُعِهِ، وَيَقُولُ: “الْمَسْؤُولُ فِي اجْتِمَاعٍ”.
الْغَرِيبُ أَنَّ هَذَا الْاجْتِمَاعَ يَبْدُو أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي، كَأَنَّهُ قِصَّةُ “أَلْفِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٍ”.
وَبَعْدَ عِدَّةِ مُحَاوَلَاتٍ، تَجَرَّأَ الْمُوَاطِنُ وَقَالَ: “إِذَا كَانَ الْمَسْؤُولُ فِي اجْتِمَاعٍ دَائِمٍ، فَمَنْ يُدِيرُ الدَّائِرَةَ؟”
فَارْتَبَكَ مَدِيرُ الْمَكْتَبِ وَلَمْ يَجِدْ إِجَابَةً، فَقَالَ بِنَبْرَةٍ خَافِتَةٍ: “سَأَبْلُغُهُ بِرِسَالَتِكَ”.
النَّظْرَةُ الْفَوْقِيَّةُ: مَتَى يَنْظُرُونَ إِلَى الْأَرْضِ؟
بَعْضُ الْمَسْؤُولِينَ يَبْدُونَ وَكَأَنَّهُمْ قَدْ نَسُوا أَنَّهُمْ وُجِدُوا لِيَخْدِمُوا النَّاسَ، لَا لِيَتَصَرَّفُوا كَأَنَّهُمْ أَرْبَابُ مَمَالِكٍ خَاصَّةٍ.
إِنَّهُمْ يَسِيرُونَ وَرُؤُوسُهُمْ فِي السَّمَاءِ، لَا يَرَوْنَ أَحَدًا، وَلَا يَسْمَعُونَ شَكْوَى.
الرَّجُلُ وَمَدِيرُ الْمَكْتَبِ
فِي إِحْدَى الْمُدُنِ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُدِيرُ مَكْتَبَ مَسْؤُولٍ كَبِيرٍ.
كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ الْمَسْؤُولِ:
مَوَاعِيدَهُ،
عَادَاتِهِ،
حَتَّى أَسْرَارَهُ.
وَلَكِنَّهُ، فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، كَانَ يَبْنِي جِدَارًا بَيْنَ الْمَسْؤُولِ وَالنَّاسِ.
فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، قَرَّرَ الْمَسْؤُولُ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ النَّاسِ دُونَ إِخْبَارِ مَدِيرِ مَكْتَبِهِ.
عِنْدَمَا خَرَجَ، شَاهَدَ النَّاسَ مُحْتَشِدِينَ أَمَامَ مَكْتَبِهِ، يَشْكُونَ مِنْ صُعُوبَةِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
أَدْرَكَ حِينَئِذٍ أَنَّ مَدِيرَ الْمَكْتَبِ كَانَ يَصْنَعُ لَهُ قَلْعَةً مَعْزُولَةً، فَطَرَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ.
مَاذَا نُرِيدُ؟
1. فَتْحُ قَنَوَاتٍ مُبَاشِرَةٍ بَيْنَ الْمَسْؤُولِ وَالنَّاسِ، بِدُونِ وَسَائِطٍ تَحْجُبُ الْحَقَائِقَ.
2. وَضْعُ مَقَايِيسَ صَارِمَةٍ لِاخْتِيَارِ مَدِيرِي الْمَكَاتِبِ، تَشْمَلُ النَّزَاهَةَ وَالْمَرُونَةَ.
3. تَفْعِيلُ تَقْنِيَاتِ التَّوَاصُلِ الْإِلِكْتْرُونِيِّ لِتَسْهِيلِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْؤُولِ.
4. تَطْبِيقُ مَبْدَأِ الْمُسَاءَلَةِ عَلَى مَدِيرِي الْمَكَاتِبِ عِنْدَ ثُبُوتِ تَقْصِيرِهِمْ.
رِسَالَةٌ إِلَى الْمَسْؤُولِ
لَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي سَأَتَحَدَّثُ فِيهَا عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ.
وَإِنْ لَمْ تُؤْخَذِ الْكَلِمَاتُ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ، فَسَتَكُونُ الْمَقَالَاتُ الْقَادِمَةُ أَشَدَّ حِدَّةً، وَسَتَكْشِفُ الْكَثِيرَ.
وَإِنَّ الْكُرْسِيَّ لَا يَدُومُ، وَلَكِنَّ ذِكْرَاكَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ هِيَ الَّتِي تَبْقَى.
افْتَحْ أَبْوَابَكَ، وَاسْمَعْ أَصْوَاتَهُمْ، لِأَنَّ صَمْتَهُمْ الْيَوْمَ قَدْ يَكُونُ صَيْحَةً غَدًا.
* حقوق النشر محفوظة.. يُسمح بالنقل والإقتباس شريطة الإشارة للمصدر “ديرتنا الإخبارية” وإسم الكاتبة