الأردن وسوريا بعد الأسد: شراكة استراتيجية في السياسة
خاص لموقع ديرتنا نيوز – عمّان
د ايمان عبد الوهاب الكساسبة / مركز اليرموك للدراسات والأبحاث
مما لا شك فيه أن مرحلة ما بعد الأسد تمثل نقطة مفصلية في إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية مع سوريا، ويبرز دور الأردن كعنصر محوري في هذه العملية. فموقعه الجغرافي الفريد والروابط الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي تربطه بسوريا تجعله شريكًا أساسيًا في استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. يمتلك الأردن من القدرة الفائقة على التعامل مع التحديات الإقليمية، مما يتيح له دورًا بارزًا في إرشاد سوريا نحو انتقال سياسي سلس وهادئ وآمن.
دور الأردن في تشكيل المشهد السياسي السوري
يتمتع الأردن بخبرة واسعة في إدارة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، مما يجعله في وضع مثالي للوساطة بين الفصائل السورية المتنوعة. من خلال تحفيز الحوار الدبلوماسي وتوجيه الفصائل المختلفة نحو توافق سياسي، يمكن للأردن أن يسهم في بناء نظام سياسي وطني يعكس التعددية السورية ويعزز الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد. ويمكن للأردن لعب دور رئيسي في ضمان التوافق بين مختلف مكونات الشعب السوري، مما يسهم في عملية انتقال سياسي سلس.
مواجهة التطرف وبناء مجتمع وسطي
تعتبر تجربة الأردن في مكافحة التطرف من أبرز جوانب دوره الفاعل في المنطقة، حيث يعتمد على نهج الوسطية والاعتدال لتعزيز التعايش بين الطوائف المختلفة. من خلال نقل هذه الخبرة إلى سوريا، يمكن للأردن أن يساهم في تقليص الأفكار المتطرفة وبناء مجتمع يحترم التنوع الثقافي والديني، ما يعد أساسيًا لبناء سوريا جديدة خالية من النزاعات الطائفية.
تعزيز القدرات الأمنية والعسكرية
يتمتع الأردن بخبرة متقدمة في التدريب الأمني والعسكري، ويمكنه من خلال مراكزه التدريبية تأهيل قوى الأمن السورية والجيش. يسهم هذا التعاون في بناء مؤسسات أمنية مهنية تعمل على استعادة الاستقرار الداخلي في سوريا، وضمان سيادة القانون في البلاد. كما يمكن للأردن أن يقدم الدعم في تدريب الفصائل المسلحة السابقة وتحويلها إلى قوى أمنية منظمة تساهم في حفظ الأمن والاستقرار.
حل قضية اللاجئين
يلعب الأردن دورًا محوريًا في حل قضية اللاجئين السوريين، حيث يعمل على تسهيل العودة الطوعية للاجئين إلى مناطقهم الأصلية في سوريا، شرط أن تكون هذه المناطق آمنة ومستقرة.
دعم مكافحة تجارة المخدرات
كما أن التعاون في مكافحة تجارة المخدرات يمثل تحديًا مشتركًا بين البلدين، حيث يمكن للأردن تقديم الدعم الفني واللوجستي لتأسيس هيئة سورية لمكافحة تصنيع وتجارة المخدرات، مما يعزز الأمن الإقليمي.
إعادة الإعمار: فرصة اقتصادية استراتيجية
ان إعادة إعمار سوريا تمثل فرصة ذهبية للأردن ليكون شريكًا رئيسيًا في هذه العملية الضخمة. سيستفيد الأردن من هذه الفرصة لتعزيز مكانته الاقتصادية عبر:
- البنية التحتية والخدمات الهندسية: تمتلك الشركات الأردنية القدرة على المشاركة في إعادة بناء المدن والقرى السورية وكذلك الطرق والبنية التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء والاتصالات، مما يعزز القطاع الهندسي في البلدين.
- الخدمات الصحية والتعليمية: يمكن للأردن أن يساهم في تقديم خدمات طبية متطورة ويشجع إنشاء فروع للمستشفيات الخاصة الأردنية في سوريا، مما يعزز بناء الكفاءات البشرية.
- الصناعات التكميلية: تطوير مشاريع صناعية مشتركة، بما في ذلك المدن الصناعية المتخصصة وتصنيع الأدوية، سيسهم في إحياء الصناعة السورية المحلية.
- الربط اللوجستي: البوابة التجارية الكبرى
- موقع الأردن الجغرافي الاستراتيجي يمكنه من أن يصبح مركزًا رئيسيًا للنقل والخدمات اللوجستية. يمكن للأردن أن يلعب دورًا محوريًا في تطوير شبكة السكك الحديدية والطرق البرية التي تربط مدينة العقبة والخليج العربي بسوريا، مما يعزز التكامل الإقليمي ويعزز حركة التجارة عبر المنطقة. كما يمكن إعادة فتح خط التابلاين النفطي الذي يربط السعودية بميناء طرطوس عبر الأردن، ليصبح شريانًا اقتصاديًا يعزز حركة التجارة والنقل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن ربط خط الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن بخط الغاز الخليجي المقترح الممتد إلى تركيا وأوروبا، مما يعزز التعاون في مجال الطاقة ويوفر فرصًا اقتصادية استراتيجية للبلدين والمنطقة بشكل عام.
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
من خلال خبرته المتقدمة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، يمكن للأردن تحديث البنية التحتية الرقمية في سوريا، ما يساهم في انتقال سوريا نحو اقتصاد رقمي يتماشى مع التطورات العالمية.
الشراكات الاقتصادية وتطوير المشاريع المشتركة
يمكن للأردن وسوريا توقيع اتفاقيات تجارية لتعزيز التبادل التجاري والتعاون في مجال الصناعات التحويلية، مما يعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين. كما أن إقامة مؤتمرات لإعادة الإعمار ومؤتمرات المانحين في الأردن يمكن أن تسهم في جذب الاستثمارات الدولية لدعم سوريا في مرحلة ما بعد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبلدين وضع رزنامة زراعية مشتركة تعزز التعاون في المجال الزراعي، مما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتحسين الإنتاج الزراعي في كلا البلدين.
التعاون في مجالات الطاقة والمياه
- الطاقة الكهربائية: يمتلك الأردن فائضًا من الطاقة الكهربائية يمكن تصديره إلى سوريا، مما يساعد في تخفيف أزمة الطاقة التي تعاني منها سوريا.
- إدارة الموارد المائية: التعاون في هذا المجال يعد أمرًا حيويًا، خاصة في ظل التحديات المشتركة في إدارة مياه نهر اليرموك، ويمكن أن يسهم في تحقيق استدامة هذه الموارد بين البلدين.
- التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية
وفي ظل التنافس الدولي والإقليمي، خاصة مع دول مثل تركيا والصين التي تسعى للهيمنة على سوق إعادة الإعمار في سوريا، يواجه الأردن تحديًا في تثبيت دوره كطرف رئيسي في هذه العملية. ومع ذلك، فإن الروابط الثقافية والاجتماعية واللغوية التي تربط الأردن بسوريا تمنحه ميزة فريدة، تمكنه من التأثير بشكل أكبر في توجيه مستقبل سوريا رغم محدودية موارده مقارنة بالدول المنافسة. علاوة على ذلك، يمكن للأردن استغلال علاقاته الوثيقة مع المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية لتعزيز موقفه كلاعب أساسي في إعادة الإعمار وبناء سوريا المستقبل.
رؤية شاملة لمستقبل مشترك
ان إعادة إعمار سوريا لا تمثل فرصة اقتصادية فحسب، بل هي مسؤولية إقليمية تتطلب تعاونًا فعالًا بين الدول المجاورة، وفي مقدمتها الأردن. من خلال دعم المؤتمرات الدولية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية، وتنفيذ مشاريع تنموية مشتركة، يستطيع الأردن أن يسهم بشكل كبير في بناء سوريا جديدة يكون فيها شريكًا اقتصاديًا وسياسيًا قويًا، مما يعزز استقرار المنطقة ويقوي الأمن الإقليمي.