الربضي تكتب: نحو تعليم حديث ومواكب: إستراتيجية لإدخال الذكاء الاصطناعي في المدارس الأردنية – نظرية وتطبيق

ديرتنا – عمّان/ العقبة – كتبت شيرين الربضي
بحثت مع البروفيسور محمد الفرجات مؤسس منتدى الابتكار والتنمية الأردني والأستاذ في جامعة الحسين بن طلال، أهمية التحول الرقمي في المدارس، وخلصنا معا إلى هذا المقال:
في عالم يتغير بسرعة الضوء، ويتسارع فيه تطور التكنولوجيا بشكل غير مسبوق،ف بات إدخال الذكاء الاصطناعي (AI) في التعليم خيارًا استراتيجيًا لا ترفًا معرفيًا. والتعليم المدرسي، بوصفه المرحلة المؤسسة للوعي والفكر، يجب أن يكون في طليعة هذا التحول. من هنا، تبرز الحاجة لإستراتيجية وطنية متكاملة لإدخال مفاهيم الذكاء الاصطناعي في المدارس الأردنية، بما يعزز كفاءات الطلبة، ويؤهلهم للتفاعل الإيجابي مع تحديات وفرص المستقبل.
أولًا: دوافع التحول نحو الذكاء الاصطناعي في التعليم المدرسي
تتعدد الأسباب التي تدفعنا لإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم، أهمها مواكبة الثورة الصناعية الرابعة التي بات فيها الذكاء الاصطناعي مكونًا رئيسًا في الاقتصاد العالمي والتعليم والصحة والصناعة. كما أن إدخال هذه المفاهيم يسهم في بناء جيل رقمي واعٍ ومبدع، قادر على التعامل مع الأدوات الحديثة بشكل إنتاجي لا استهلاكي. إضافة إلى ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على تحسين جودة التعليم من خلال أدوات تحليل الأداء والتعليم المخصص، وسيساعد بشكل كبير في سد الفجوة بين التعليم المدرسي واحتياجات سوق العمل المستقبلي.
ثانيًا: مرتكزات نظرية لإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم
ترتكز الإستراتيجية النظرية على ثلاثة محاور أساسية:
أولًا، اعتماد نموذج التعلم القائم على الكفايات (Competency-Based Learning)، حيث تركز المناهج على المهارات الفعلية كالتفكير التحليلي والبرمجة وحل المشكلات.
ثانيًا، تعزيز العدالة الرقمية من خلال ضمان وصول جميع الطلبة إلى أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الجغرافية.
ثالثًا، إقامة شراكة فاعلة بين المدارس والمجتمع التقني، عبر إشراك القطاع الخاص ومراكز الابتكار والجامعات في تصميم وتنفيذ البرامج التربوية الجديدة.
ثالثًا: خارطة طريق للتطبيق (2025–2030)
المرحلة الأولى (2025–2026): التأسيس والتخطيط
يتم إعداد وثيقة سياسات وطنية لإدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، مع مراجعة المناهج الحالية وإدخال مفاهيم أولية في الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا. كما يبدأ تدريب المعلمين والمشرفين التربويين على مفاهيم وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتُبنى شراكات استراتيجية مع الجامعات ومراكز التكنولوجيا.
المرحلة الثانية (2026–2027): التنفيذ التجريبي
تنطلق مدارس نموذجية في كل محافظة كمنصات تجريبية، وتُجهز بمختبرات ذكاء اصطناعي مصغّرة. وتُدرّس وحدات معرفية تتعلق بالبرمجة وتعلم الآلة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي. كما تُشجع المشاريع الطلابية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لحل مشكلات مجتمعية حقيقية.
المرحلة الثالثة (2028–2030): التوسع والتقييم
تُعمّم التجربة الناجحة على مستوى المملكة، وتُنشأ منصة وطنية للتعليم الذكي، وتُدمج أدوات الذكاء الاصطناعي في أساليب التدريس والتقويم. كما يُطور نظام تقييم ذكي قائم على التحليل التكيفي لأداء الطلبة.
رابعًا: التحديات المحتملة وسبل تجاوزها
تواجه هذه الإستراتيجية تحديات عدة. فضعف البنية التحتية الرقمية يمكن تجاوزه عبر خطة وطنية لتوفير الإنترنت والأجهزة الذكية للمدارس، لا سيما في المناطق الأقل حظًا. أما نقص الكوادر المؤهلة، فيُعالج من خلال تدريب المعلمين بالتعاون مع الجامعات وشركات التكنولوجيا. كما أن الفجوة في الفهم المجتمعي تُعالج بإطلاق حملات توعية تشمل أولياء الأمور والطلبة، فيما تقتضي الاعتبارات الأخلاقية تضمين “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” ضمن المناهج التعليمية لضمان الاستخدام المسؤول.
خامسًا: مؤشرات النجاح
تشمل مؤشرات نجاح الإستراتيجية عدد المدارس التي تطبق وحدات الذكاء الاصطناعي، وعدد الطلبة المشاركين في مشاريع ومسابقات الذكاء الاصطناعي، ومدى اندماج أدوات الذكاء الاصطناعي في تقييم وتحسين العملية التعليمية. كما يشكل استحداث تخصصات مهنية مبكرة في الذكاء الاصطناعي لطلبة المرحلة الثانوية علامة نضج للمسار الإصلاحي.
ملخص: نحو مستقبل تعليمي رقمي وفعّال
إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس مشروعًا تقنيًا فقط، بل هو تحوّل ثقافي وتربوي عميق يعيد تعريف أدوار المعلم والمتعلم، ويرتقي بجودة التعليم لمستويات غير مسبوقة. وفي ظل التحديات الوطنية والإقليمية، لا خيار أمامنا سوى التحديث الجاد والمتوازن، وبناء أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة في عالم لا يعترف إلا بالكفاءة والابتكار.
إنّ هذه الإستراتيجية ليست حلمًا بعيدًا، بل ممكنة التحقيق بوجود الإرادة السياسية والدعم المؤسسي والرؤية المجتمعية الواعية. فلنبدأ اليوم، من أجل غدٍ رقمي مشرق.