مقالات

الحجاج يكتب: إلى أهالي الموقوفين: الوطن أولى بالولاء… ودعم المقاومة لا يبرر الفوضى ووضع الوطن في زاوية الخطر

ديرتنا – عمّان / العقبة –  كتب معمر محمود الحجاج :

تابعنا البيان الصادر عن أهالي الموقوفين في القضية الأخيرة ذات البُعد الأمني، وتفهمنا تمامًا مشاعرهم وحرصهم على أبنائهم، وهذا حقّهم الطبيعي كأهالٍ، لا يُناقش ولا يُنتقص. لكن في المقابل، من واجبنا كمجتمع حريص على أمنه واستقراره، أن نُذكّر بأن حرصنا الأكبر والأشمل يجب أن يكون للوطن، لكل أبنائه، ولكل شبر فيه. إن كان هناك من هو حريص على 16 شابًا، فنحن معنيّون بـ 12 مليون مواطن، يعيشون على هذه الأرض ويأملون بغدٍ آمن.

لا يصحّ أن نُحاول تلطيف الوقائع أو تجميلها بمصطلحات فضفاضة مثل “دعم المقاومة” أو “التضامن القومي”، خصوصًا حين ترتبط هذه المصطلحات بأفعال تُشير التحقيقات إلى أنها تُهدد أمن الدولة بشكل مباشر. المقاومة شرف عظيم، نعم، لكنها لا تكون من عمّان أو الزرقاء أو إربد، ولا بصناعة مواد خطرة أو إقامة أنشطة في الخفاء، خصوصًا وأن المتابعة الأمنية والتحقيقات لم تبدأ بالأمس، النشاطات التي كشفت عنها التحقيقات لم تبدأ بعد احداث اكتوبر ٢٠٢٣ في غزة بل هي جارية منذ ٢٠٢١ اي قبل اندلاع الأحداث الأخيرة في غزة بفترة طويلة، مما يؤكد أن القضية ليست ردة فعل عاطفية على مشهد فلسطيني، بل ترتبط بتحركات مشبوهة وخطيرة كانت قيد المراقبة منذ وقت طويل.

ونحن هنا لا نقلل من شأن جهاد أهل غزة، ولا من تضحياتهم العظيمة، بل على العكس، نراها في وجدان كل أردني شريف. لكن لا يجوز أن نجعل من تلك التضحيات شماعة نُعلّق عليها أعمالًا مشبوهة تمسّ أمن وطننا وتزرع الفتنة بين أهله. كل من يحرص على المقاومة، كان بإمكانه أن يتجه مباشرة إلى ساحة المواجهة الحقيقية، هناك حيث الشعب الفلسطيني يقف، وهناك حيث الحاجة إلى الدعم اللوجستي والإنساني والميداني أكبر. لماذا لم تُوجّه كل تلك التكاليف والمجهودات والسفر نحو الداخل الفلسطيني؟ لماذا اختيرت مدننا ساحةً لهذه الأفعال بدلًا من الوقوف في خندقهم؟

نحن لا نحاكم أحدًا على النوايا، ولا نسبق القضاء، لكن من غير المنطقي أن يُطالب البعض بتبرئة الموقوفين قبل أن يقول القضاء كلمته، خصوصًا حين يعترفون في بياناتهم بأن أبناءهم عبّروا عن “دعم للمقاومة”. كيف نرفض “التشهير” ونمارس في المقابل ضغطًا إعلاميًا على الرأي العام في بيان مطوّل مليء بالتناقضات؟

ثم ما معنى تكرار عبارة أن الأفعال كانت “موجهة ضد العدو الصهيوني”؟ هل الأردن بات ساحة لهذه المواجهة؟ وهل من الحكمة أن نفتح هذا الباب ونُعرّض بلدنا لمخاطر نحن في غنى عنها؟ الأردن لم يتخلَ يومًا عن القضية الفلسطينية، وهو داعم للمقاومة ضمن إطار الدولة والشرعية والسيادة، لا عبر مبادرات فردية أو تشكيلات تعمل في الخفاء.

نُجدّد ثقتنا بقضائنا النزيه والمستقل، ونُذكّر الجميع أن العدالة تأخذ وقتها، لكنها في النهاية تُنصف من يستحق. فلا يُعقل أن نستبق أحكام القضاء ببيانات عاطفية، ولا أن نُعلّق الوطن على مشجب العواطف.

وفي الختام، نقول لأهالي الموقوفين: أبناؤكم في قلوبكم، كما أن هذا الوطن في قلب كل أردني. لا أحد يُزايد على محبة الوطن، لكننا لا نستطيع أن نسمح بخلط الأوراق، ولا بأن يُستخدم الأمن الوطني في لعبة المصطلحات أو العواطف.

نسأل الله أن يحفظ الأردن، قيادةً وشعبًا، وأن يرد كيد كل من أراد به سوءًا إلى نحره، كما نسأله تعالى أن يجعلنا دائمًا موحدين، على الحق، وعلى محبة هذا البلد.

الأردن أولًا… ودائمًا

زر الذهاب إلى الأعلى