الفاتيكان ينتخب البابا ليو الرابع عشر

ديرتنا -الفاتيكان – م.عدنان السواعير
أمس، وبعد صعود الدخان الأسود ثلاث مرات متتالية، خرج الدخان الأبيض من مدخنة مجمع السيستينا في الفاتيكان، ليُعلن وبشكل مفاجئ عن انتخاب بابا جديد، هو الأول في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يحمل الجنسية الأمريكية: البابا ليو الرابع عشر.
كان التوقع السائد أن يُنتخب بابا إيطالي، وتحديدًا الكاردينال بارولين، الذي اعتُبر الأوفر حظًا. لكن ومنذ مساء اليوم السابق للتصويت، بدأت المؤشرات تتجه نحو اختيار غير تقليدي، خارج الإطار الأوروبي المعتاد. وجاء هذا الاختيار بعد توافق واسع بين الكرادلنة، الذين كانوا في السابق يتحفظون على انتخاب بابا أمريكي، بسبب النفوذ السياسي الكبير للولايات المتحدة في العالم.
رغم أن أمريكا دولة علمانية، فإنها تضم أكبر عدد من المسيحيين في العالم، وإن كان الكاثوليك لا يمثلون سوى 20% من هذا العدد، وسط انقسامات بين الطوائف المسيحية المختلفة هناك. ويقال إن أحد الدوافع الرئيسية وراء انتخاب البابا الأمريكي هو السعي لتوحيد المسيحيين الأمريكان وتعزيز حضور الكنيسة الكاثوليكية داخل الولايات المتحدة.
لا شك أن شخصية ومسيرة البابا الراحل فرنسيس، التي اتسمت بالدفاع عن الفقراء والمظلومين والانحياز الدائم لقضايا الكادحين، لعبت دورًا في رسم ملامح البابا الجديد. البابا فرنسيس لم يخفِ تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، حيث كان يتواصل يوميًا مع ممثلين من داخل القطاع خلال العدوان الأخير، وبلغ به الأمر أن أوصى بتحويل سيارته في الفاتيكان إلى سيارة إسعاف أُرسلت لاحقًا إلى غزة.
اللافت أن وفاة البابا فرنسيس قوبلت بموجة واسعة من التعازي من زعماء العالم، باستثناء رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي امتنع عن التعزية، في حين أن بعض سفراء الكيان الصهيوني الذين عبروا عن حزنهم تمت مساءلتهم وتم حذف ما نشروه لاحقًا، في المقابل، سارعت حكومة الاحتلال إلى الترحيب بانتخاب البابا ليو، مما أثار تساؤلات في بعض الأوساط.
البابا ليو لم يُدلِ بتصريحات مباشرة بشأن القضية الفلسطينية حتى الآن، لكن خطابه الأول بعد انتخابه حمل إشارات واضحة إلى أهمية “السلام والحوار بين الشعوب” و”العدالة الاجتماعية”. وهو ما يراه كثيرون امتدادًا لنهج البابا فرنسيس، الذي كان مقربًا منه، وقد عيّنه في مناصب عليا داخل الفاتيكان.
يُعرف البابا ليو بمواقفه المعتدلة، وتعاطفه مع قضايا المهاجرين والمهمّشين، مما يعكس استمرارية في التوجهات الاجتماعية للكنيسة. ومع ذلك، فهو يُعد محافظًا في بعض الملفات العقائدية واللاهوتية. وهذا التوازن بين التقدمية الاجتماعية والمحافظة العقائدية يجعل من اختياره مزيجًا بين الاستمرارية في بعض مسارات البابا فرنسيس، وكسرًا لها في مجالات أخرى.
في النهاية، يبدو أن الكنيسة أرادت، من خلال هذا الانتخاب، توجيه رسالة مزدوجة: الانفتاح على واقع عالمي متغير، من جهة، والاستمرار في حمل همّ العدالة الإنسانية من جهة أخرى.عمون